Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

المصالحة هل من نهج جديد؟!.. محسن أبو رمضان

المصالحة هل من نهج جديد؟!.. محسن أبو رمضان

  أحد الميزات الرئيسية للشعوب الحية هي قدرتها على التعلم من تجاربها وتجارب الشعوب الأخرى، بما يزيد من فرص نجاحها وتجنب التحديات والمعيقات التي تحول دون تحقيق أهدافها.

 

واضح ان القيادة الفلسطينية لم تستفد من تجارب الشعوب التي ناضلت من اجل التحرر في سبيل الاستقلال الوطني وضمان الحق في تقرير المصير، حيث أن تلك التجارب أكدت بأنه لا يمكن تحقيق الأهداف بدون تغيير توازنات القوى بحيث يصبح الاحتلال مكلفاً وباهظ الثمن، مما يجبره على التفاوض للانسحاب، وفق ما أكدته العديد من التجارب العالمية أبرزها فيتنام، الجزائر، الهند، جنوب إفريقيا..إلخ.

لقد استمرت المقاومة في تلك البلدان التي كانت تخوضها حركة التحرر الوطني حتى في اثناء التفاوض وذلك من أجل استثمار أوراق القوة في مواجهة العدو سواءً كانت المقاومة ذات طابع عنيف ام سلمي.

تتجسد اوراق القوة بالوحدة والاتفاق على برنامج الحد الادنى الذي يشكل اجماعاً وطنياً وتجنب التناقضات الثانوية وعدم تقديمها على التناقض الرئيسي واستثمار أدوات الكفاح المناسبة القادرة على تحقيق الهدف، وبالتالي فإن التمسك بها يساعد على احداث تعديلات في توازنات القوى لصالح حركة التحرر أما التخلي عنها فإنه يمكن المحتل من الاستمرار ما دامت لا تتوفر أوراق القوة التي تدفعه ثمن احتلاله، بحيث يصبح هذا الثمن اغلا من التمسك بالاحتلال ذاته.

لقد تم التنازل عن العديد من أوراق القوة بعد تشكيل السلطة الوطنية عام 94، تحت ذريعة انها سلطة انتقالية وبالتالي من خلال المفاوضات يمكن الحصول على دولة، منها الاعتراف باسرائيل دون اعتراف الاخيرة بحق تقرير المصير لشعبنا بل تم الاكتفاء بالاعتراف بـ "م.ت.ف".

أدارت اسرائيل ظهرها للدولة وأعلن قادتها ان المواعيد غير مقدسة، بل قامت بتدمير مؤسسات السلطة، حين حصلت انتفاضة الأقصى عام 2000 رداً على الاستخفاف بحقوق شعبنا عبر مقترحات باراك في كامب ديفيد التي رفضها الرئيس الراحل ياسر عرفات.

لن تسمح اسرائيل بتحويل السلطة إلى دولة، فهي تعمل على تكريس نظام الفصل العنصري عبر استكمال بناء الجدار، والسيطرة على الاغوار واحواض المياه وتهويد القدس وعزل وحصار قطاع غزة، فهي تريدها سلطة للحكم الإداري الذاتي وفاقد للسيادة للقيام بوظيفة إدارة شؤون السكان، ولحماية الاحتلال ومستوطنيه تحت ذريعة التنسيق الأمني.

 لقد قامت السلطة باعتماد نهج المفاوضات ولم تحصد بها إلا الفشل واستغلتها اسرائيل لتكريس الوقائع الاستيطانية على الارض بحيث اصبح من الصعوبة بمكان تحقيق الدولة ذات السيادة في ظل الاجراءات والممارسات والوقائع الاستيطانية التي ستحول موضوعياً من اقامتها.

جاء الانقسام السياسي ليعطى فرصة جديدة لاسرائيل لتقويض هدف الدولة ولفصل القطاع عن الضفة وتقويض مقومات الهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة، ليضعف من عناصر القوة الفلسطينية المجسدة بالوحدة كأحد قوانين الانتصار.

كان من الهام استثمار المصالحة ليست من خلال تنفيذ الخطوات الاجرائية مثل تشكيل الحكومة والتحضير للانتخابات على أهمية ذلك ، ولكن بهدف اجراء مرجعة تقيمية ونقدية لمسيرة العمل الوطني للاستفادة من التجربة الماضية ، وكيفية استثمارها باتجاه شق مجرى جديد يعد استنهاض الحالة الفلسطينية بما أنها ما زالت تمر في مرحلة تحرر وطني وديمقراطي.

لقد تم الانشداد للآليات الإجرائية غير المكتملة، فحتى اللحظة لم يعلن الرئيس مرسوم الانتخابات كما لم يتم عقد اجتماع للاطار القيادي المؤقت لـ"م.ت.ف" ولم يتم الاتفاق على رؤية سياسية جديدة، علماً بأن اتفاق القاهرة كان يستند إلى وثيقة الاسرى "الوفاق الوطني" 2006 أما الحكومة فهي تستند إلى برنامج الرئيس الذي أكدها بالعديد من المرات والتي تستجيب لشروط الرباعية.

رغم ان الحكومة تستند إلى شروط الرباعية إلا انها لم تسلم من العقبات، فما زال الحصار مفروضاً على قطاع غزة، الأمر الذي سيصعب من إمكانية تنفيذ خطة اعمار للقطاع كأحد وظائف ومهمات الحكومة كما أن مشكلة رواتب الموظفين المدرجين على كادر حكومة "حماس" السابقة، لم يصلهم الراتب إلى الآن ليس بسبب مشكلات فنية أو إجرائية ولكن بسبب معيقات سياسية بالأساس أبرزها عدم استعداد البنوك لقبول تحويلات قد تدفعها ثمن سياسي ومالي كبير، وعدم استعداد وجاهزية الحكومة لدمج الأموال التي وعدت بها قطر في موازنة السلطة، حتى لا تتهم بأنها تزود موظفين تابعين لحركة "حماس" بالأموال، وبالتالي تخالف شروط الرباعية.

وعليه فإذا  كانت المرونة الواسعة التي تحلت بها الحكومة لم تسعفها على القيام بمهماتها ليس فقط في قطاع غزة ولكن بالضفة الغربية ايضاً، حيث استبقتها دولة الاحتلال بتنفيذ عملية عسكرية واسعة بالضفة استغلالاً لعملية فقدان المستوطنين الثلاث في الخليل، علماً بأن وجودهم غير شرعي وان الاستيطان جريمة حرب حسب القانون الدولي، وذلك بهدف تعزيز التنسيق الأمني الذي يحمي الاحتلال ومستوطنيه، وتخفيض سقف التوقعات الفلسطينية واجبار السلطة للتعايش مع الوضع الراهن المبني على سياسة المعازل والباستونات في استحضار لفكرة الإدارات المحلية للسكان والبعيدة عن طموحات شعبنا بالحرية وتقرير المصير والعودة.

لقد فشلت سياسة الواقعية "البرغماتية" فهي ما فتئت أن تفتح شهية الاحتلال على قضم الأرض والحقوق وتحويل السلطة لأداة وظيفية في قطع تام عن احتمالية تحويلها إلى دولة ذات سيادة.

وإذا كان اسرائيل ما زالت تعيق من امكانية تنفيذ حكومة الوفاق لوظائفها رغم المرونة السياسية العالية التي تتحلى بها، ورغم نزع أي بعد فصائلي وسياسي عنها بما أنها حكومة مهنية، فما هو المطلوب بعد ذلك؟ هل نستمر في تقديم التنازلات والتكيف مع سياسة الشروط المفروضة؟ أم أنه آن الآوان لاعادة النظر في بنية ووظيفة السلطة والقيام بخطوات ملموسة لاعادة بناء الهوية الوطنية وأداتها السياسية المجسدة بـ"م.ت.ف" وفق برنامج سياسي متوافق عليه يؤكد أننا ما زلنا نمر في مرحلة التحرر الوطني؟!

أعتقد أنه آن الأوان لمغادرة مربع السلطة ودائرتها المفرغة المبنية على فلسفة المفاوضات والانتقال إلى مربع التحرر الوطني الذي هو بحاجة إلى قرارات جذرية لا تعيد تجريب المجرب  أو استنساخ القديم..!!

وعليه فهل نسير بالمصالحة وفق نهج جديد؟!

 

* كاتب وباحث فلسطيني يقيم في قطاع غزة.