تترقب الفئات الاجتماعية والسياسية المختلفة زيارة الوفد الذي شكله الرئيس عباس والمكون من خمسة شخصيات وطنية إلى قطاع غزة ضمن مهمة اتمام عملية المصالحة مع حركة "حماس".
من الضروري تأييد اية خطوة باتجاه تحقيق المصالحة وانهاء مربع الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، شريطة عدم استخدام هذه الورقة عند تعثر المفاوضات وبوصفها أحد ادوات الضغط السياسي فقط، أي باتجاه ربطها باستراتيجية وطنية فلسطينية، تبدأ بالمصالحة واستعادة الوحدة الوطنية وتسير باتجاه استكمال انضمام عضوية دولة فلسطين "المراقبة" إلى المنظمات الدولية ومنها محكمة الجنايات الدولية ولا تنتهى باستنهاض حملة التضامن الشعبي الدولي والسعي باتجاه محاصرة دولة الاحتلال وفرض عقوبات عليها إلى جانب تعزيز المقاومة الشعبية في مواجهة الاحتلال على قاعدة العمل على مغادرة مربع المفاوضات ومسار اوسلو الذي استغلته اسرائيل لفرض الوقائع على الارض من خلال الاستيطان وفرض منظومة من المعازل والبانتوستانات وذلك بهدف الاجهاز على القضية الوطنية لشعبنا وتحويلها إلى قضية حياتية سكانية لمن تبقى يعيش بالمعازل ولكن دون تحقيق مقومات السيادة الوطنية والتي تستند إلى قاعدة حق تقرير المصير بما يشمل حق العودة.
وعليه فالمصالحة هي نقطة الانطلاق المفصلية والرئيسية باتجاه اعادة بناء المؤسسة الوطنية الفلسطينية الجامعة والتي من خلالها يصبح امام سلطة واحدة ممثلة بالمجل التشريعي والحكومة والقضاء ومنظمة التحرير يندمج في مكوناتها كافة الوان الطيف السياسي الفلسطيني.
وإذا كان من المفضل ان تتم عملية الوحدة عبر الانتخابات وفق اتفاق القاهرة، إلا ان التجربة قد اثبتت ان الانتخابات لا تشكل بالضرورة مخرجاً لازمة النظام السياسي الفلسطيني، خاصة إذا أدركنا ان الاحتلال هو الذي يتحكم بها ويستطيع افشالها وليس أدل على ذلك من اعتقاله لبعض النواب الذين يقبعون بالسجن، وأنه يستطيع افشالها بالقدس وبالعديد من المناطق ايضاً.
وعليه فمن الهام وضع الانتخابات في سياق الرؤية السياسية الجديدة التي تستند إلى تغيير المسار باتجاه استعادة المعادلة على قاعدة شعباً يقاوم الاحتلال، لتتحول الانتخابات إلى معركة شعبية وديمقراطية في مواجهة الاحتلال وباتجاه انتزاع حق شعبنا في تقرير المصير وذلك بالصيغة الجمعية و بصيغة حق المواطنين الأفراد ايضا.
من هنا فلا يمكن اختزال المصالحة بالحكومة والانتخابات بل بالتوازي يجب البحث عن آلية لدمج القوى السياسية التي تقع خارج "م.ت.ف" لتصبح جزء من مكوناتها عبر مدخل الاطار القيادي المؤقت ليصبح هيئة وطنية لإدارة الصراع الوطني ولتحديد إستراتيجية وطنية فلسطينية موحدة في مواجهة الاحتلال.
اعتقد ان كل من محاور المنظمة والحكومة والانتخابات ممكن ان تشكل مدخلاً لاستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني الذي يجب أن يسير بالتوازي مع العمل وضمن آلية حوار وطني فلسطيني مشترك وشامل بالاتفاق على برنامج سياسي جامع يحدد المسار الجديد وأشكال النضال والتحرك السياسي والدبلوماسي بعدما وصل طريق اوسلو والمفاوضات إلى حائط مسدود.
وإذا اعتبرنا ان كل من موضوعات المنظمة والحكومة والانتخابات يشكلون المدخل الرئيسي لتطبيق اتفاق القاهرة الخاص بالمصالحة وذلك لأن المعضلة الرئيسية تكمن بالعمل على استعادة وحدة المؤسسة الوطنية الفلسطينية الجامعة، فيجب عدم اغفال القضايا الأخرى الواردة في ذات الاتفاق مثل الحريات العامة والمصالحة المجتمعية وآليات دمج موظفي الوظيفة العمومية وتوحيد جهاز القضاء والاجهزة الامنية.
أن أي اتفاق يبدأ بنقاط مفصلية تشكل المفتاح الذي من خلاله يمكن فتح بداية البوابة والسير بمسار جديد سيفتح باقي الابواب بالضرورة على طريق استكمال الجهد الرامي لاعادة بناء المؤسسة الوطنية الفلسطينية الواحدة ووفق برنامج سياسي وطني متوافق عليه يستند إلى وثيقة الوفاق الوطني ويعمل على تطويرها لكي تتناسب مع المستجدات الاخيرة، الأمر الذي يعكس أهمية تنفيذ هذه النقاط المفصلية والمحورية ابتداءً.
إن سبعة سنوات من الانقسام الذي ترسخ وتمأسس وأصبح له نخب ومصالح معنية به وباستمراره، يجعل من الصعوبة بمكان تطبيق كافة البنود دفعة كاملة "رزمة واحدة" الأمر الذي يستلزم التفكير بأولويات البنود التي سيقود تطبيقها بالضرورة إلى تنفيذ باقي البنود وبصورة موضوعية.
فمثلاً إذا تم التوافق على موعد اجراء الانتخابات ، فحينها يصبح من الموضوعي الحديث قبل اجرائها بوقت محدد عن أهمية توفير أجواء مناسبة للدعاية الانتخابية واطلاق مناخات لحرية العمل السياسي ووقف سياسة الاعتقالات والاستدعاءات، أما إذا تم وضع مبدأ حرية العمل السياسي مع أن هذا حق شرعي لكل الفلسطينيين حسب القانون الأساسي واعراف العمل الوطني كشرط مسبق للاتفاق على تحديد موعد للانتخابات حينها تتشكل معضلة ستؤدي إلى صعوبة اتمام باقي محاور المصالحة، لأن اتفاق القاهرة ينص على استعادة النظام السياسي "سلطة ومنظمة" عبر الانتخابات، وذلك رغم تحفظي عليها، فكما ذكرت فقد اثبتت التجربة الفلسطينية ان الانتخابات ليست العلاج الشافي لأزمة النظام السياسي بل ربما تشكل أحد أدوات الاختلاف والتجزئة كما حدث بعد الانتخابات في يناير 2006.
ولكن إذا كان الهدف يكمن بتطبيق اتفاق القاهرة فإن التحفظات جمعيها رغم وجاهتها وموضوعية العديد أو البعض منها تصبح لا لزوم لها حيث ان الانتخابات وتحديد موعدها يصبح لازماً والحالة هذه من اجل استعادة وحدة المؤسسة الفلسطينية، وعدم الاضطرار بناءً على هذه النقطة إلى إعادة فتح كافة النقاط والبنود الواردة باتفاق القاهرة.
وإذا تم الاتفاق على تحديد موعد تشكيل الحكومة وتحديد موعد للانتخابات سواء النيابية أو الرئاسية أو للمجلس الوطني وتم تفعيل الاطار القيادي المؤقت لـ"م.ت.ف" فيصبح من السهل في تلك الاجواء وبالتوازي معها الاتفاق على رؤية فلسطينية وطنية موحدة لإدارة الصراع ضد الاحتلال.
وعليه فليس من المناسب اختزال المصالحة بموعد الانتخابات بصورة حاسمة، وبدونها لا يمكن اتمام المصالحة كما أنه ليس من المناسب وضع شرط الاتفاق على برنامج سياسي متوافق عليه إلى جانب الاصرار على تنفيذ باقي البنود "كرزمة واحدة"، حيث ان الحل الامثل برأي يكمن بصيغة تؤكد على البدء في تنفيذ مفاتيح المصالحة الرئيسية التي ستعمل على استعادة مكونات النظام السياسي الفلسطيني وذلك على طريق تنفيذ باقي بنود الاتفاق الذي سيصبح قابل للتحقيق، الأمر الذي سيجعل ان هناك امكانية واقعية لتطبيقه كرزمة واحدة ولكن عبر التدرج وتهيئة الاجواء والبدء بالأولويات.
وعليه فالمعادلة يجب ان لا تنحصر بمعادلة إما الانتخابات أو رزمة واحدة والمدخل الأكثر موضوعية برأيي يكمن بالشروع بتنفيذ محاور المصالحة المفتاحية الحاسمة والمجسدة بكل من "المنظمة والحكومة والانتخابات" وذلك على طريق تطبيق باقي بنود المصالحة كرزمة واحدة.