لا يبدو أن مطالبة سموتريتش وبن غفير بتوسيع الحرب على لبنان مرتبطة بقتال حزب الله، وإنما هي مرتبطة بأجندة اليمين المتطرف ضد الفلسطينيين في غزة والضفة معا، ولذلك هما لا يهتمان بالتحذيرات من عواقب حرب إقليمية.
تعكس المواقف في "إسرائيل" حيال الحرب على غزة واحتمالات تصعيدها إلى لبنان النفور والاستقطاب الداخلي الشديد، لدرجة أنه بالإمكان القول إن مواقف الفصائل في غزة وعلى رأسها حماس، وبالتالي موقف حزب الله أيضا، الذي يصرح بأنه يخوض قتالا لإسناد غزة، لا علاقة لها بالقرارات المتعلقة بذلك التي ستتخذها الحكومة الإسرائيلية.
ويحذر ضباط كبار ومسؤولون أمنيون إسرائيليون حاليون وسابقون من أن الحرب على غزة تطول من دون تحقيق أهدافها، بالقضاء على حماس وإعادة الرهائن. ويصرح السياسيون من المعارضة أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزراء اليمين المتطرف، وفي مقدمتهم بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، غير مهتمين بإعادة الرهائن الأسرى في غزة، رغم أن اتهاما كهذا خطير جدا في مجتمع مثل المجتمع الإسرائيلي.
إلا أن هذا الاتهام لنتنياهو ووزرائه ليس مفندا. ويسعى نتنياهو إلى عرقلة أي مفاوضات حول تبادل أسرى. ورغم أن نتنياهو يرسل وفده المفاوض، المؤلف من رئيسي الموساد والشاباك ومندوب عن الجيش، إلا أنه يطالبهم بالاستماع وحسب لما يقوله الوسطاء المصريين والقطريين والأميركيين، ويمنع الوفد من التفاوض.
في موازاة ذلك، نادراً ما يلتقي نتنياهو مع عائلات الرهائن، ويكرر رفضه وقف الحرب بعبارته الشهيرة "الانتصار المطلق"، التي حققت سخرية واسعة تجاهه. وفي الوقت نفسه يهاجم وزراؤه، خاصة بن غفير وسموتريتش، عائلات الرهائن والمظاهرات الحاشدة نسبيا في تل أبيب ومدن أخرى تطالب الحكومة بإعادة الرهائن، معبرين بذلك عن رفض لصفقة تبادل أسرى، واستمرار الحرب. وحتى أنهما هددا نتنياهو علنا أكثر من مرة بإسقاط الحكومة إذا وافق على صفقة.
ويحذر مسؤولون عسكريون وأمنيون إسرائيليون من عواقب توسيع القتال مقابل حزب الله إلى حرب شاملة، ويرون أنها سرعان ما ستتحول إلى حرب إقليمية. ولا شك في أنهم محقون. فإثر الحرب على غزة، تم إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل، ليس من لبنان فقط، وإنما من اليمن والعراق وسوريا أيضا، وشنت إيران هجوما غير مسبوق على إسرائيل وأطلقت خلال ساعات مئات الصواريخ والمسيرات. فكيف سيكون تصرف هذه "الجبهات" في حال وسّعت إسرائيل حربها على لبنان، من خلال تنفيذ تهديدها بـ"إعادة لبنان إلى العصر الحجري"؟
ويقول عقلاء إسرائيليون، لا يسمع صوتهم كثيرا في الحرب، إن بإمكان إسرائيل إلحاق دمار واسع وهائل في لبنان، لكنهم يحذرون من قدرات حزب الله أيضا، ومن أنه سيلحق دمارا هائلا في شمال ووسط إسرائيل بقدراته الصاروخية المتطورة أضعافا قياسا بالفصائل في غزة.
في الجهة الأخرى، يطالب سموتريتش وبن غفير، ومعهما وزير الأمن، يوآف غالانت، بحرب شاملة في لبنان، بادعاء توفير الأمن في شمال إسرائيل وإعادة لسكان هناك إلى بيوتهم. ويأتي ذلك بسبب رفضهم وقف الحرب على غزة. إذ يعلن حزب الله أنه سيوقف إسناده لغزة بمجرد وقف الحرب على غزة. ويتضح أن رسالة كهذه أبلغها حزب الله للوسطاء الأميركيين والفرنسيين، الذين يحاولون إبعاد قواته عن الحدود من خلال "تسوية سياسية".
قد يُخيل لكثيرين أن مواقف اليمين الإسرائيلي المتطرف ليست عقلانية، بعد سماع التحذيرات من عواقب حرب واسعة على إسرائيل. إلا أن أجندة هذا اليمين المتطرف مختلفة عن رؤية الذين يضعون التحذيرات من عواقب الحرب الواسعة، والأضرار التي ستلحق بالبنية التحتية والاقتصاد وأعداد القتلى في إسرائيل.
ولا يبدو أن سموتريتش وبن غفير يهتمان أيضا بالتحذيرات التي تتعالى حول وضع قوات الجيش الإسرائيلي بعد ثمانية أشهر على الحرب، وتراجع معنويات وكفاءات هذه القوات. وهناك من يحذر أيضا من تراجع ترسانة الأسلحة في مخازن الجيش الإسرائيلي. وهذا من دون ذكر التراجع الكبير في شرعية إسرائيل في العالم، وخاصة في الولايات المتحدة.
ويبدو أن هذين الوزيرين ينظران إلى الحرب على غزة على أنها فرصة لتنفيذ "خطة الحسم" المعلنة التي وضعها سموتريتش، وتقضي بمحو خط التماس بين إسرائيل والضفة الغربية، وضم الضفة لإسرائيل، وتهجير قسم من الفلسطينيين. وأوضح الوزيران منذ بداية الحرب أنهما يسعيان إلى توسيع "خطة الحسم" لتشمل قطاع غزة أيضا، من خلال تصريحاتهما حول عودة الاستيطان للقطاع و"انتقال طوعي" لسكان غزة إلى خارجها. وعلى ما يبدو أنهما يعتبران استمرار الحرب سيحقق هذا المخطط، ومن أجل تحقيقه يجب، بنظرهما، توسيع الحرب أكثر. أما نتنياهو، فهو ملزم بالحفاظ على بقائهما في حكومته كي لا تسقط، وكي لا يرحل عن السياسة، وربما إلى السجن أيضا.