بقلم : تيسير الغوطي
في تشرين أكتوبر من كل عام تتجدد الذكرى التي تؤكد لكل ذي عقل وبصيرة أن هذا الكيان المصطنع يمكن هزيمته رغم كل ما يمتلكه من أدوات القتل والدمار، ورغم كل ما يتمتع به من دعم لا محدود على كافة الصعد من القوى الاستعمارية الظالمة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، كما وتحي الأمل في قلوب العاشقين لفلسطين بقرب الانتصار على هذا الكيان الغاصب للأرض والحقوق المدنس للمقدسات مصداقاً لوعد الله عز وجل لعباده المؤمنين ، وعد الآخرة كما جاء في مقدمة سورة الإسراء المباركة, إنها ذكرى معركة الشجاعية المفخرة لكل فلسطيني مقاوم ومجاهد على وجه العموم ولأبناء حركة الجهاد الإسلامي على وجه الخصوص .
ففي السادس من تشرين الأول أكتوبر 1987 وقعت معركة عسكرية مباشرة بين مجموعة من مجاهدي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وقوة عسكرية صهيونية خاصة في منطقة الشجاعية, أسفرت عن استشهاد أربعة من مجاهدي حركة الجهاد الإسلامي وهم المجاهد سامي الشيخ خليل والمجاهد محمد الجمل والمجاهد أحمد حلس والمجاهد زهدي قريقع، كما أسفرت عن مقتل ضابط المخابرات الصهيوني (الشاباك) فكتور أرجوان وإصابة آخرين .
لقد مثلت معركة الشجاعية 6/10/1987 نقطة مضيئة ومركزية في الصراع مع الكيان الصهيوني على أرض فلسطين لعدة أسباب منها :-
- أنها أول اشتباك مسلح مباشر مع قوات الاحتلال الصهيوني استمر عدة ساعات بعد حرب 1982 التي تمكن فيها الكيان الصهيوني من إخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وتشتيتها في منافي الدول العربية البعيدة عن الجوار مع فلسطين ( اليمن – تونس – الجزائر) ، ليمهد الطريق أمام الطريق أمام النظام الرسمي العربي بما فيه الفلسطيني للدخول إلى مستنقع السلام المدنس والاعتراف بالكيان الصهيوني واغتصابه لأرض فلسطين ومقدساتها .
- أنها أول اشتباك عسكري مباشر وجهاً لوجه بين مجموعة من مجاهدي حركة إسلامية هي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وجنود الاحتلال الصهيوني يستمر عدة ساعات، وهذا لا ينفي ولا يقلل من قيمة العمليات العسكرية الفردية (أو الجماعية) التي قام بها المجاهدون الإسلاميون قبل ذلك التاريخ ، وتمثلت في إلقاء القنابل وإطلاق النار على الجنود الصهاينة وقنصهم كما واستخدام السكاكين في عمليات الطعن, وعليه فقد كانت هذه المعركة إيذاناً بدخول الإسلاميين إلى ساحة الصراع العسكري المباشر مع الكيان الصهيوني بعد أن كان ذلك حكراً على غيرهم من الفلسطينيين.
- أكدت معركة الشجاعية على إصرار مجاهدي حركة الجهاد الإسلامي على الجهاد والاستشهاد في الصراع والصدام مع الكيان الصهيوني، ويتجلى ذلك في سلوك مجاهدي الحركة الذين تمكنوا من تنفيذ الهروب الكبير من سجن غزة المركزي بتاريخ 17/05/1987 هؤلاء الأبطال الأقمار عندما تمكنوا من تحرير أنفسهم من قبضة السجان الصهيوني أصروا على البقاء على أرض فلسطين ومواصلة طريق الجهاد والاستشهاد، فبعد الخروج مباشرة بدءوا بتجهيز أنفسهم للمواجهة المرتقبة مع جنود الاحتلال بما يلزمهم من عدة وعتاد ضمن إمكانياتهم المحدودة لكنه الواجب المقدس.
ففي عملية الهروب من سجن غزة المركزي تمكن ستة من أبناء حركة الجهاد الإسلامي من تحرير أنفسهم من سجن غزة المركزي شديد الحراسة في عملية تجلت فيها عناية الله وتوفيقه, ومكنت الإخوة المجاهدين ( مصباح الصوري– سامي الشيخ خليل – عماد الصفطاوي– خالد صالح – صالح اشتيوي– محمد الجمل )من الخروج من السجن إلى فضاء الحرية وممارسة الجهاد، حيث تمكن المجاهدون مصباح الصوري ومحمد الجمل وسامي الشيخ خليل من ترتيب أوضاعهم للاستمرار في الجهاد والمقاومة، وقاموا بتنفيذ عدد من العمليات الجهادية كان أحد نتائجها الهامة قتل قائد الشرطة العسكرية في قطاع غزة رون طال من مسافة الصفر، وللأسف فقد تمكن الجيش الصهيوني من قتل الشهيد مصباح الصوري في الأول من شهر أكتوبر 1987 بكمين نصبه الجيش للشهيد مصباح الصوري الذي كان العقل المدبر لعملية الهروب الكبير من سجن غزة المركزي ، علماً بأنه أسير سابق قد أمضى أربعة عشر عاماً في السجون الصهيونية .
أما المجاهد محمد الجمل والمجاهد سامي الشيخ خليل فقد تمكنا من التواصل مع المجاهد أحمد حلس والمجاهد زهدي قريقع وتعاهدوا على مواصلة طريق الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، وعندما كانوا في طريقهم لتنفيذ عملية استشهادية تصدت لهم قوة صهيونية خاصة وحدث الاشتباك المباشر بين الطرفين وارتقى الأربعة شهداء مقبلين غير مدبرين .
- أحييت عملية الشجاعية ونتائجها في نفوس الفلسطينيين معاني الجهاد والاستشهاد والمقاومة وأن واجب المقاومة والجهاد مقدم على قلة الإمكانات من العدة والعتاد، مما عبد الطريق للانفجار الشعبي الكبير فيما عرف بالانتفاضة الأولى أو انتفاضة الحجارة ، حيث واجه الشعب الفلسطيني الأعزل بحجارته البسيطة وصدره العاري أعتى جيوش المنطقة وأكثرها إجراماً وولوغاً في الدم الإنساني والفلسطيني منه على وجه الخصوص .
- أكدت نتائج معركة الشجاعية أن هذا الكيان الصهيوني يمكن مقاومته وإيذائه للدرجة التي لا يمكنه تحمل الأذى والخسائر البشرية والمادية والمعنوية, مما سيدفعه للرحيل عن أرضنا ومقدساتنا, شأنه في ذلك شأن كل الغاصبين لأرض وحقوق الآخرين.
لقد كان للجهاد الإسلامي من خلال معركة الشجاعية ونتائجها الحسية والمعنوية الدور الأكثر أهمية لتقدم الشعب الفلسطيني باتجاه مقاومة الاحتلال ورفض ظلمه وإجرامه, فقد اعترف بذلك الكثير من المحللين والمهتمين بالشأن الفلسطيني ومن ضمنهم محللين صهاينة, حيث أجمع معظمهم ( ومنهم الصحافي الصهيوني ايهود إيعاري في كتابه الانتفاضة ) إن معركة الشجاعية ونتائجها أحد أهم الأسباب لاندلاع انتفاضة الحجارة وثورة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني, ويقول عبد الرحيم جابر في مقال له " قصة فدائي كان لاستشهاد مصباح الصوري وأفراد مجموعته أولى الإرهاصات التي سبقت انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى، انتفاضة الحجارة " , وجاء في تقرير لوكالة كنعان الإخبارية 3/10/2020 " يذكر أن "معركة الشجاعية" في السادس من أكتوبر 1987، وقبل 33 عاماً شكلت نقلة نوعية في مسيرة النضال الفلسطيني باعتبارها شرارة التفجير للانتفاضة الكبرى التي عرفت بانتفاضة الحجارة ".
في ذكرى معركة الشجاعية المفخرة وما تمخض عنها من نتائج حسية أو معنوية يجب أن نؤكد ونذكر بالثوابت والشعارات التي دعت إليها حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين, وأكدتها عملياً وواقعاً معركة الشجاعية ونتائجها المباركة, ومنها على سبيل المثال لا الحصر الواجب فوق الإمكان ، الكف يمكنه مواجهة المخرز ، زعزعة الاستقرار والأمن الصهيوني ، تدفيع الكيان الصهيوني ثمن احتلاله واغتصابه للأرض والحقوق ، رفع هذا الثمن ما أمكن من أرواح جنوده ومستوطنيه وفقدانهم الأمن والأمان ، لأنه كلما ارتفع هذا الثمن كلما اقتربنا من لحظة الانتصار والتحرير وما ذلك على الله ببعيد .