كتب/ حسن لافي
تستخدم "إسرائيل" الإعلام الموجه أمنياً واستخباراتياً بشكل قوي وبكثافة غير مسبوقة في تطوير استراتيجية "المعركة بين الحربين"، إذ دمجت بين الإعلام والمعلومات الاستخباراتية والجهود الدبلوماسية، من أجل زيادة الضغط على قوى المقاومة وتحويل حاضنتها الشعبية إلى قوة ضاغطة تردعها عن ممارسة دورها الحقيقي في مواجهة الاحتلال الصهيوني ومشاريعه في المنطقة.
باتت محاولة "إسرائيل" شيطنة قوى المقاومة هدفاً مركزياً في استراتيجية "المعركة بين الحربين". وهنا، يبرز نموذج السلوك الإسرائيلي تجاه حزب الله في لبنان خلال السنوات الأخيرة كدليل واضح وقوي على أهداف تلك المخططات، إذ سعت "المعركة بين الحروب" بنسختها المطورة لنزع صورة حزب الله كحزب مقاوم من ذهنية الشعب اللبناني، واستبدالها بصورة الوكيل الإيراني، الجالب للدمار والخراب، الذي يتعارض مع سياسة الحكومة اللبنانية الساعية إلى الحفاظ على الحياد.
وبالتالي، تسوق الدعاية الإسرائيلية لفكرة مفادها أن حزب الله هو السبب الأساسي في منع تحقيق ازدهار لبنان، إضافة إلى السعي لتحويله في نظر العرب، وخصوصاً الدول السنية، إلى خطر وجودي على أمنهم القومي بدلاً من "إسرائيل".
على المستوى الدولي، لم تنتهِ محاولة إلصاق تهمة الإرهاب بالحزب وتصويره على أنه عصابة للجريمة المنظمة تستحق الملاحقة القانونية والتصنيف حزباً إرهابياً، كما تروج الدبلوماسية الاستخباراتية الإسرائيلية، وخصوصاً في دول أوروبا.
هذا السلوك الإسرائيلي مغاير لأسلوب الردع الإسرائيلي القديم الذي اعتاد استخدام القوة في تكريس الردع، ولكن في ظل تعقيدات التغيرات الجديدة في البيئة الأمنية الإسرائيلية، بات من المهم اللعب على الحرب النفسية، بهدف خلق ضغط مُركز على قوى المقاومة داخلياً وخارجياً، الأمر الذي يخدم "إسرائيل" في اتجاهين:
أولاً، يعطي الشرعية لأي خطوة عسكرية إسرائيلية ضد المقاومة، وخصوصاً في غزة ولبنان، أمام المجتمع الدولي على المدى البعيد.
ثانياً، تشكيل ضغط على الحاضنة الشعبية ومؤسسات الدولة في بيئة المقاومة، من خلال التهديد الإسرائيلي بعواقب أي حرب قادمة مع "إسرائيل".
وهنا، من المهم الإشارة إلى ما ذكره الباحث الإسرائيلي
عومر دوستري في سياق الخطة الإسرائيلية تجاه حزب الله في لبنان، بقوله: "لا يمكن أن يهتز حزب الله من دون الإضرار بدعم الجماعات السكانية اللبنانية. إن محاولة إثارة الإشكالات والاضطرابات بين حزب الله والمجموعات اللبنانية الأخرى قد تحد من حرية عمله، رغم أنها قد لا تكون بالضرورة الاتجاه الصحيح لإطاحة حزب الله". وبذلك، يتضح الهدف المركزي لاستراتيجية "المعركة بين الحربين".
بناء على ما سبق، إن تصريحات أفيخاي أدرعي، الناطق باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية، بأن المقاومة في غزة تخبئ قدراتها وأسلحتها العسكرية في أماكن مدنية، تعتبر مثالاً آخر على الدمج بين المعلومات الأمنية والأساليب الإعلامية.
كل ذلك من أجل إحداث تأثيرات سلبية متعددة المستويات تجاه:
أولاً، الحاضنة الجماهيرية لقوى المقاومة في غزة، بحيث تتحول إلى قوة ضاغطة عليها لمنعها من الإقدام على أي فعل هجومي أو رادع للعدو الإسرائيلي من غزة، وبالتالي يتم إخراج القطاع من الصراع أو احتواؤه على الأقل، في ظل استراتيجية "الاقتصاد مقابل الأمن" التي ترفعها الحكومة الإسرائيلية، والتي تمتلك شبه إجماع سياسي في "إسرائيل".
ثانياً، المنظومة الأمنية لدى المقاومة، من خلال محاولة اغتيالها معنوياً والتشكيك في قدراتها وهز منظوماتها الفاعلة في الميدان، والأخطر محاولة إيصال رسالة إلى الحاضنة الشعبية بأن منظومة أمن المقاومة غير قادرة على مواجهة الأمن الإسرائيلي، وتصوير أن كل الإجراءات الأمنية للمقاومة غير مجدية، رغم أن الحقائق تسجل للقوى الأمنية التابعة للمقاومة إنجازات كبيرة على الأمن الإسرائيلي، كما برز في محطات عديدة، أهمها احتفاظ المقاومة بالجندي الأسير جلعاد شاليط في غزة على مدى أكثر من 5 سنوات، من دون تمكن الأمن الإسرائيلي من الوصول إليه أو معرفة مصيره، ما أجبر "إسرائيل" على إتمام صفقة تبادل للأسرى مع كتائب القسام التابعة لحركة حماس.
وظهر ذلك أيضاً في قدرة أمن المقاومة على تجنيد عملاء مزدوجين، وخداع رجال الشاباك الإسرائيلي وكشف أساليبهم، والحصول على أسلحة متطورة، كما ظهر في الفيلم الوثائقي "بيت العنكبوت" الذي نشرته سرايا القدس؛ الجناح العسكري للجهاد الإسلامي.
ثالثاً، المجتمع الدولي المتعاطف مع الشعب الفلسطيني، والذي يلاحق الاحتلال على خلفية مجازره تجاه شعبنا الأعزل، من خلال شيطنة غزة ومحاولة تصويرها أنها ثكنة عسكرية، وبالتالي تحاول "إسرائيل" التملص من الاستحقاقات الدولية والحقوقية الناتجة من مجازرها البشعة ضد المدنيين الفلسطينيين، كما ظهر في معركة "سيف القدس" الأخيرة، وخصوصاً قصفها برج الجلاء، رغم معرفتها التامة بأنه يضم مقارّ صحافية عالمية ومحلية.
أضف إلى ذلك أن المخططات العسكرية الإسرائيلية مبنية على استراتيجية "الأرض المحروقة" و"عقيدة الضاحية" وخطة "تنوفا"، والزخم الشديد في عمليات القصف، الأمر الذي يدرك الصهاينة أنه سينتج الكثير من المجازر والضحايا وضرب البنى التحتية المدنية.
لذلك، إن نشر الناطق باسم الجيش الإسرائيلي تلك المعلومات التضليلية يعتبر خطوة استباقية لمحاولة شرعنة الجرائم الإسرائيلية، ليس تجاه الشعب الفلسطيني في غزة فقط، بل ضد الإنسانية جمعاء أيضاً.