يستمر العدو الصهيوني بشن عدوانه الهمجي على لبنان وفلسطين، ويرتكب المجازر ضد المدنيين في ظل الفشل في تحقيق أهدافه الاستراتيجية بالقضاء على المقاومة أو فرض شروطه السياسية.
وفي موازاة هذا العدوان الصهيوني المجرم تُطرح العديد من التساؤلات حول دور المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان وعلاقتها بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويراهن الكثيرون على نهاية دور المقاومة، فيما يشكّك الكثيرون بالدور الإيراني الداعم للمقاومة.
ومن أجل توضيح بعض النقاط ولتصويب النقاش، نستعيد بعض المحطات التاريخية على صعيد المقاومة في لبنان ودور إيران وصولا لما يجري اليوم من معركة مصيرية في فلسطين ولبنان.
ففي حزيران/ يونيو من العام 1982 وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان والذي وصل إلى مدينة بيروت، اجتمع عدد من كوادر الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين واللجان الإسلامية وأعضاء من تجمع العلماء المسلمين في بيروت والبقاع والجنوب وقادة حزب الدعوة الإسلامية (فرع لبنان)، وانضم إليهم لاحقا مؤسسو حركة أمل الإسلامية برئاسة حسين الموسوي وعناصر من حركة فتح والكتيبة الطلابية وناشطون يساريون، وقرروا تأسيس إطار للعمل المقاوم في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وتم التواصل مع القيادة الإيرانية وعلى رأسها الإمام الخميني من أجل الحصول على الدعم والغطاء الشرعي وقررت القيادة الإيرانية إيفاد العشرات من حرس الثورة الإسلامية الإيرانية إلى سوريا ولبنان لتدريب هؤلاء الكوادر والشباب الذين بدأوا العمل المقاوم دون اعتماد اسم معين، ولاحقا تم تبني اسم حزب الله وتم الإعلان الرسمي عن ذلك في 16 شباط/ فبراير 1985، في الذكرى الاولى لاغتيال الشيخ راغب حرب.
وبموازاة ذلك انطلقت قوات الفجر التابعة للجماعة الإسلامية في لبنان، وكان هناك تنسيق وتعاون كبير بين قوات الفجر والمقاومة الإسلامية، كما انطلقت جبهة المقاومة الوطنية، وكان هناك دور كبير أيضا لأفواج المقاومة اللبنانية التابعة لحركة أمل.
وخلال 42 عاما من العمل المقاوم والسياسي والاجتماعي والاعلامي تحوّل هؤلاء الشباب المقاوم والكوادر والعلماء إلى إحدى أهم القوى الإقليمية واللبنانية، والتي امتلكت قدرات كبيرة من السلاح والمؤسسات الاجتماعية والتربوية والصحية والأمنية، وخاضت حروبا عديدة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وعلى صعيد المنطقة، وأصبحت إحدى أهم عناصر محور المقاومة، وقدمت المساعدة عبر التدريب والاستشارة لقوى المقاومة في فلسطين وبعض دول المنطقة، وشهدنا تنسيقا وتعاونا بين المقاومة في لبنان وفلسطين طيلة الأعوام الأربعين الماضية أثمرت نتائج مهمة على صعيد الصراع مع العدو الصهيوني.
وكان الدعم الإيراني هو العنصر الأهم في نشوء المقاومة وتطورها. وعلى الصعيد السياسي استفادت تجربة حزب الله من التجربة اللبنانية السياسية والظروف الخاصة للبنان، ومن التجربة الفلسطينية العسكرية والسياسية والامنية، وشكّلت نموذجا مهما من العمل المقاوم.
واليوم تواجه المقاومة في لبنان وحزب الله أشرس معركة تخوضها منذ تأسيسها إلى اليوم، وبسبب دعمه للقضية الفلسطينية ومعركة طوفان الأقصى، يتعرض الحزب لحرب إبادة من الجيش الإسرائيلي، حيث تم استهداف أمينه العام السيد حسن نصر الله وعدد من قادته السياسيين والأمنيين والعسكريين، كما يتم تدمير مؤسساته الاجتماعية والتربوية والمالية والإعلامية والصحية، وتُستهدف البيئة المؤيدة له في كل المناطق من خلال تدمير القرى والأماكن السكنية والمؤسسات التجارية.
إلى اليوم، وبسبب دعمه للقضية الفلسطينية ومعركة طوفان الأقصى، يتعرض الحزب لحرب إبادة من الجيش الإسرائيلي، حيث تم استهداف أمينه العام السيد حسن نصر الله وعدد من قادته السياسيين والأمنيين والعسكريين، كما يتم تدمير مؤسساته الاجتماعية والتربوية والمالية والإعلامية والصحية، وتُستهدف البيئة المؤيدة له في كل المناطق من خلال تدمير القرى والأماكن السكنية والمؤسسات التجارية.
والهدف الكبير من وراء كل ذلك القضاء على هذه القوة غير التقليدية، وإخضاعها للمشروع الإسرائيلي- الأمريكي الهادف لتصفية القضية الفلسطينية وقوى المقاومة وإقامة نظام شرق أوسط جديد.
وخلال هذه الحرب القاسية تنتشر الإشاعات والحرب النفسية التي تدعي أن إيران تخلت عن الحزب وباعته في في إطار الصفقات الإقليمية والدولية، ورفعت الغطاء عنه وعن قوى المقاومة في المنطقة.
فهل صحيح ما ينشر؟ وإلى أين تتجه هذه الحرب القاسية ضد حزب الله والمقاومة ولبنان وفلسطين؟
من يعرف العلاقة الاستراتيجية والعضوية والتاريخية بين الحزب وقوى المقاومة وإيران يدرك الدور الإيراني الهام في نشوء الحزب وتطوره، ولكن لولا البعد اللبناني في هذه التجربة لما حققت هذا النجاح الاستراتيجي، وخصوصا خلال مرحلة قيادة الأمين العام الراحل السيد حسن نصر الله وبقية القادة المؤسسين والذين واكبوا هذه التجربة الرائدة.
ورغم قسوة هذه الحرب والخسائر الكبرى التي أصيب بها الحزب خلال معركة طوفان الأقصى وصولا إلى ما جرى في الأسابيع الماضية من اغتيالات وقصف وتدمير لكل البنى التحتية، لكن الحزب لا يزال يواصل المقاومة في جنوب لبنان، ولا تزال منظومة الصواريخ تعمل بنظام. وقد حققت المقاومة إنجازات مهمة في الأيام الأخيرة، ولا تزال القيادة السياسية والتنفيذية تعمل في إدارة كل الملفات، ولذا فإن الرهان على القضاء على حزب الله هو رهان خاطئ، والادعاء بأن إيران تخلت عنه وباعته هو كلام في غير محله، والمعركة لا تزال في بدايتها، ولا يمكن تحديد طبيعة ودور الحزب في المرحلة المقبلة قبل نهاية هذه المعركة الكبرى.
نحن اليوم أمام محطة تاريخية جديدة في مسيرة حزب الله والمقاومة في لبنان وفلسطين، وستكون لنتائج هذه المعركة انعكاسات مهمة في لبنان والمنطقة، لكن من أكبر الأخطاء الرهان على نهاية هذه المسيرة النضالية مهما بلغت التضحيات التي ستقدم في هذه المعركة الفاصلة على صعيد لبنان والمنطقة والعالم.