شهد عام 2000م إقدام المجرم/ أرئيل شارون على اقتحام المسجد الأقصى وتدنيس رحابة المشرفة الأمر الذي كان فتيل اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية والتي امتدت لجميع المدن والقرى الفلسطينية، فكان هذا الاقتحام إعلاناً رسمياً عن رغبة دولة العدو السيطرة على المسجد الأقصى بشكلٍ تامٍ وتقسيمه زمانياً ومكانياً وفق الرؤية الصهيونية المشحونة بأفكار التطرف والعنف، ولعل الرئيس الفلسطيني الراحل/ ياسر عرفات تنبه لهذا الأمر متأخراً وذلك بعد مفاوضاتٍ أوسلوية طويلة انتهت بمفاوضات كامب ديفيد الثانية التي اكتشف في أعقابها أن العدو الصهيوني ليس لديه فُسحة لتصور سياسي للفلسطيني سوى فتات الحكم الذاتي الخدمي الموسع لقاطني المدن الفلسطينية.
لقد كانت سنون الانتفاضة الفلسطينية الثانية في أعوامها الأولى (2000م -2005م) جحيماً على دولة العدو، فتمكنت خلالها المقاومة الفلسطينية من تنفيذ عدد كبير من العمليات النوعية ما كبد الاحتلال خسائر كبيرة من جنوده ومستوطنيه في كافة مدن دولة الاحتلال المُغْتَصِبة للوطن الفلسطيني الكبير، فكانت مدنُ مثل جنين القسام وخليل الرحمن ومحافظات قطاع غزة ساحاتٍ متوهجة لجولاتٍ عسكريةٍ استثنائية في ظل تواضع الإمكانيات العسكرية واللوجستية للمقاومة الفلسطينية نجحت بفضلها من تحقيق حضورٍ بارز ما دفع قوات الاحتلال إلى الدفع بكامل عتادها من دبابات وآليات وطائرات والاستعانة بكامل قدراتها الأمنية لاستعادة السيطرة على عدد من المدن الفلسطينية التي جابهت هذه الحملات بصمودٍ أسطوريٍ انتهى بارتقاء مئات الشهداء واعتقال الآلاف وتدمير البيوت على ساكنيها، وقد تبع هذه الحملات إذكاء سياسة التنسيق الأمني والتعاون مع أمن العدو لملاحقة المجاهدين الفلسطينيين وذلك بعد تولي الرئيس/ محمود عباس رئاسة السلطة –بعد وفاة الرئيس الراحل/ ياسر عرفات في ظروف غامضة- والتي مثلت سابقةً لم يشهدها النضال الفلسطيني على مدار تاريخه الطويل، وهذا سجن أريحا –سيء الصيت والسمعة- وغيره من المعتقلات يشهد على تقييد حرية آلاف المجاهدين الفلسطينيين بتهمة مقارعة الاحتلال.
تحملت البُنى الأساسية لحركات المقاومة الفلسطينية أعباء هذه الضربات الأمنية المزدوجة لقوات الاحتلال وأمن السلطة الفلسطينية بعد عام 2005م، فتكبَد معظم الكادر الفاعل لهذه الحركات ثمن هذه الضربات فمضوا شهداءً قضوا على طريق القدس أو أسرىً على ذات الطريق، بعد أن أبوا إلا أن يتخذوا سبيل الرشد سبيلاً رغم كل المعيقات الضخمة التي أحاطت بهم.
وفي عام 2021 دشنت معركة سيف القدس فصلاً جديداً في المسيرة الفلسطينية، فتلك المعركة التي دارت رحاها في أعقاب اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، وما سبق ذلك من محاولة لتهجير سكان حي الشيخ جراح كانت كفيلة بتلاحم ساحات النضال الفلسطينية تحت لواءٍ جامع: القدس والمسجد الأقصى، فكان لهذه المعركة ما بعدها من استحقاقات على طريق نهاية دول الاحتلال في فلسطين.
ومهما يكن من أمرٍ، فإن الضفة الفلسطينية المحتلة يمكن أن تكون النواة الرئيسة لنهاية المشروع الصهيوني بالتزامن مع مساندة أحلنا في الداخل المحتل وإسناد مقاومة غزة العسكرية التي ستشكل رافعة قوية للمقاومة الفلسطينية في الضفة المحتلة.
ولا يخفى على أي متابع أن ظروف العمل المقاوم في الضفة المحتل تواجه صعوباتٍ أمنية شديدة من ملاحقة فلسطينية من أجهزة أمن السلطة التي تنتهج سياسة التنسيق الأمني ومن ملاحقة أجهزة أمن العدو التي تمتلك قدرات تكنولوجية عالية المستوى، لذا فإن الراغب في العمل في ساحة الضفة المحتلة بحاجةٍ للتحلي بأعلى دراجات الجهوزية الفنية والإدارية، ورغم أهمية العمل الحزبي المنظم في كثيرٍ من المحطات الجهادية إلا أن ساحة العمل الجهادي في الضفة بحاجة إلى استراتيجية أخرى بعيداً على القواعد الحزبية التي لم تقصر يوماً فيما مضى ولكنها اليوم تجابه متابعاتٍ أمنية دقيقة وتعاني من إنهاكٍ وضغوطٍ هائلة لما تعرضت له من ملاحقات على مدار عشرات السنين، وفي تقديرنا الشخصي أنه من الممكن إسناد فكرة العمل الشعبي عبر تسليح جميع الراغبين بالمقاومة –وما أكثرهم- من خلال غرفة عسكرية مشتركة (رقم 2) يكون العمل الجهادي العام فيها أعلى من جميع القيم الحزبية والفئوية والمناطقية وذلك لخصوصية ساحة الضفة وصعوبة تطبيق ما هو معمول به في الساحات الأخرى.
هذه الغرفة منوطٌ بها التحريض المعنوي على النفير العام والعمليات الفردية والدعم اللوجستي وتوفير السلاح لطالبي الجهاد في فلسطين، كما يناط بها رعاية هؤلاء المجاهدين في أسرهم وأبنائهم وبيوتهم بعد أي تبعات لاحقة لأعمالهم المقاومة، وهي بهذه المهام بحاجة إلى إجماع من الفصائل الفلسطينية وكذلك تمويلٍ ورعايةٍ من شبكة الأصدقاء في محور القدس إعلاء قيم العمل الشعبي في الضفة وتجهيز آلاف المقاتلين في طرقات الضفة ومسالكها الالتفافية سيكون عنوان النصر الموعود للشعب الفلسطيني على العدو، فلن يحتمل العدو تكلفة وتبعات هذا العمل المقاوم والذي سيمثل جهداً تراكمياً إلى جانب معركة سيف القدس وسيتسبب في استنزاف قوات الاحتلال ومستوطنيه.
العمل خارج الأطر الحزبية قد يكون صعباً في بدايته لأننا بشكلٍ أو بآخر غير معتادين عليه، ولكنه في ساحة الضفة المحتلة سيكون الخيار الأنجع في بيئة عمل معقدة ومركبة أمنية، فالحكمة ضالة المؤمن.