وفق كم هائل من المعطيات والشهادات، فإن الاحتلال لا يأبه بأي قانون دولي ولا بأية أعراف، هي دولة قامت منذ سنوات طويلة على القتل والإرهاب والمجازر، آخر هذه الجرائم إعدامها بدم بارد الطفل محمد شحادة من بلدة الخضر-الثلاثاء 2022-2-22، بزعم محاولته إلقاء زجاجة حارقة على سيارة للمستوطنين الإرهابيين، فقبله تم قتل الفتى سعيد يوسف محمد عودة (16 عاما) جنوبي نابلس، حيث أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي الذخيرة الحية عليه ليلة الأربعاء 5- 5-2021، رغم أنه لم يكن يشارك في المواجهات التي كانت تدور على مدخل القرية، وأكدت الحركة العالمية، في بيان لها، أنه حسب توثيقها للحادث، فإن جنود الاحتلال انتشروا بين أشجار الزيتون القريبة من مدخل القرية، وأطلقوا نيرانهم صوب الطفل عودة لدى اقترابه من المدخل، دون أن يشكل تهديدًا، ومنعوا مركبة إسعاف من الاقتراب منه لحوالي 15 دقيقة، ليعلن عن استشهاده لاحقًا.
وحسب التقارير الفلسطينية، فقد جرت جريمة إعدام الطفل سعيد قبيل اختياره للمشاركة في دوري بطولة شرم الشيخ العالمية لكرة القدم بمشاركة 12 دولة عربية، والتي أقيمت في الثاني عشر من شهر حزيران /2021، ضمن فريق أكاديمية بيليه الألمانية الفلسطينية إلا أن الاحتلال كان له رأي آخر، فقد سافر سعيد إلى مكان آخر، بعد قتله على يد مجرمي الحرب الصهاينة.
وأشارت إلى أن قوات الاحتلال أطلقت النار على شاب آخر حاول الاقتراب من الفتى عودة لمساعدته، ما أدى لإصابته بعيار حي في ظهره، والفتى عودة هو ثاني طفل تقتله قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية العام الجاري/2021، ففي السادس والعشرين من شهر كانون الثاني/2021، قتلت قوات الاحتلال بالذخيرة الحية الفتى عطا الله محمد حرب ريان (17 عاما) على مفترق قرية حارس بمحافظة سلفيت، بزعم محاولته تنفيذ عملية طعن. إن قصص وحكايات وكمائن الموت الصهيوني لاطفال فلسطين فحدث بلا حرج…!
فقد شكلت عمليات استهداف الأطفال وقتلهم سياسة ثابتة اتبعتها القيادات السياسية والعسكرية الصهيونية واعتمدت على أعلى المستويات بهدف النيل من الأطفال الفلسطينيين وزرع الرعب والخوف في الأجيال الفلسطينية الناشئة وقتل الأمل في المستقبل في نفوسهم، وتحطيم حياتهم ومستقبلهم، كي لا يتمكنوا من حمل قضيتهم والدفاع عن حقوقهم. فمع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى 1987-1993، وكذلك مع اندلاع انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من سبتمبر عام 2000، ثم مع انفجار انتفاضة الغضب الشبابية عام/2015، وقع الأطفال الفلسطينيين في دائرة الاستهداف والموت الصهيونية، فكانت عمليات الإعدام الميدانية للأطفال أمام بصر ونظر العالم على مدى سنوات الانتفاضة الكبرى، وكان أكثر عمليات الإعدام انتشارًا إعلاميًا هي للطفل الشهيد محمد الدرة خلال انتفاضة الأقصى، وهو في حضن والده أمام عدسات التلفزة، مرورًا باغتيال الطفل فارس عودة وبتمزيق جسد الطفلة إيمان حجو بقذائف المدفعية، إلى حرق الطفل علي دوابشة، وليس انتهاء بآلاف الأطفال والأجنة والرضع الذين استشهدوا على مدى سنوات الانتفاضات والهبات والمواجهات الفلسطينية مع جيش الاحتلال ومستعمريه.
الطفلة هديل الحداد – على سبيل المثال لا الحصر - لم يتجاوز عمرها العامين فقط، طفلة بريئة آمنة مطمئنة...! فهي لم تكن تستعد لإطلاق الصواريخ على المحتلين، ولم تكن منهمكة في تصنيع القذائف، حتى تباغتها طائرات الاحتلال بصاروخ يمزق جسدها البريء، بتاريخ 19-06-2012، أ ثناء لهوها مع إخوتها وأبناء عمها، حيث عاشت عائلتها التي تقطن حي الزيتون بغزة، حالة الصدمة والحزن، وتساءل أبو عدنان عم الشهيدة في لقاء مع صحيفة الدستور – في حينها - عن الذنب الذي ارتكبته ابنة أخيه حتى يتم قتلها بهذه الطريقة البشعة فهي رضيعة. وفي مشهد مؤثر، تجمع مجموعة من الأطفال أمام منزل الشهيدة يتحسسون دماء الشهيدة على جدران المنزل والتي لم تجف وصرخ أحدهم: "الدماء مش راضية تنشف لقد كانت تلعب هنا ولا أصدق أننا لن نراها بعد اليوم".
سقطت هديل، ولكن، إن كانت صواريخ الاحتلال مزقت جسد هديل، فإنها لم تكن الشهيدة الأولى التي تسقط بصواريخ ورصاص الاحتلال، فقد سبقها مئات الأطفال الفلسطينيين، ولكل منهم حكايته مع رصاص وصواريخ الاحتلال؛ فالطفلة عبير العرامين كان عمرها عشر سنوات فقط، وكانت كهديل بريئة آمنة مطمئنة...! حيث حرصت على الحضور إلى مدرستها رغم كمائن القنص والقتل الصهيونية الكامنة في الطريق إليها، وكعادتها في كل يوم ومع انتهاء الدوام المدرسي، تحركت من صفها باتجاه بوابة مدرستها... لم تتمكن من فحص الطريق يمينًا وشمالًا إلا وعاجلتها رصاصة صهيونية غادرة استقرت في رأسها...! كان ذلك في السادس عشر من كانون الثاني من عام/2007، حيث أطلق جنود الاحتلال الصهيوني النار على الطفلة عبير وهي واقفة على بوابة مدرستها في قرية عناتا شمالي القدس ، وصارعت الموت ثلاثة أيام، وأعلن عن استشهادها في 19-01-2007.
وفي المشهد الفلسطيني أيضًا، فإن قصة عبير ليست سوى واحدة من مئات القصص التي سقط فيها أطفال فلسطين برصاص الاحتلال جنودًا ومستوطنين على حد سواء، ووقائع ومشاهد استشهاد الأطفال متعددة يصعب حصرها، منها على سبيل المثال:
كان الطفلان يحيى رمضان أبو غزالة ومحمود سليمان أبو غزالة، وابنة عمهما سارة يلعبون مع مجموعة من الأطفال شرق بيت حانون، حينما أطلقت دبابة احتلالية قذيفة قاتلة باتجاههم، فتحول الثلاثة إلى جثث وصلت إلى المشفى أشلاء مقطعة". وفي الرابع عشر من حزيران/2007 أعلنت مصادر طبية فلسطينية عن استشهاد خمسة أطفال فلسطينيين، وإصابة عدد آخر من عائلة واحدة –عائلة ابو مطرود- في قصف مدفعي احتلالي لمنطقة الشوكة شرق مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، وقد وصلوا إلى مشفى أبو يوسف النجار أشلاء ممزقة جراء شدة الانفجار". وقال شهود عيان "إن دبابة احتلالية أطلقت قذيفة مدفعية تجاه مجموعة من الأطفال كانوا يلعبون فى المنطقة، ما أدى إلى استشهاد خمسة منهم، وإصابة سبعة آخرين.
وقبل ذلك بأيام، استشهد الطفلان أحمد أبو زبيدة وزاهر المجدلاوي برصاص قوة وحدة إسرائيلية خاصة كانت تتواجد فى محررة دوغيت سابقًا فى بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وقال شهود عيان إن الطفلين اللذين يبلغان من العمر 12 عامًا كانا يقومان بصيد الطيور في هذه المنطقة، وقالت مصادر طبية "إن الشهيدين أصيبا بعدة طلقات اخترقت الصدر وخرجت من الظهر في القلب مباشرة ما أدى إلى استشهادهما".
وقبل ذلك كان ذلك المشهد المروع، ظهيرة الجمعة التاسع من حزيران /2006 حينما قامت دولة الاحتلال باقتراف أبشع المذابح ضد عائلة فلسطينية كاملة، حيث "محت أسرة غالية الفلسطينية من الأب إلى الأم إلى الأطفال ومنهم من بقي حيًا، وفي مقدمتهم الطفلة المنكوبة هدى عن الوجود"...!
ويوم الثلاثاء، السابع من أيلول/2004 "كانت الطالبة الطفلة الفلسطينية رغدة العصار، ابنة الأعوام العشرة في مقعدها الدراسي تستمع باهتمام لشرح مدرسها لمادة اللغة الإنجليزية، مع بداية الحصة الأولى في فصلها الدراسي بمدرسة بنات خان يونس، عندما سقطت ملطخة بدمائها بعد أن اخترقت رصاصة صهيونية الجانب الأيمن من رأسها"، وصبغت دماء الطفلة كراسها الذي تحول إلى اللون الأحمر والبلاطات الأمامية لمقعدها الذي سيبقى فارغًا ليشهد على أبشع جرائم الاحتلال.
وكل ذلك ليس صدفة، فالأدبيات والنوايا المبينة والخطط والجاهزية الإجرامية كلها قائمة لديهم: حصد أكبر عدد من أطفال فلسطين بهدف تحطيم الطفولة و"خصي الأجيال"، غير أن السفن لم تسر وفق الرغبات الصهيونية، فأطفال فلسطين يتحولون من أطفال حجارة إلى جنرالات المقاومة والانتفاضات...!