قلم/ خالد صادق
لا زالت توابع النكسة تهيمن على عقول الكثير من الرسميين العرب وتلقي بظلالها الكئيبة على المشهد العربي الرسمي, بحيث بات بعض الرسميين العرب يحاسبون انفسهم على خوضهم معركة ضد "إسرائيل" وانهم دفعوا غاليا ثمن هذه المعركة التي انعكست بشكل سلبي على أوضاعهم المعيشية واثرت على نموهم الاقتصادي, وتقدمهم التكنولوجي والثقافي والعسكري, وادت الى أزمات كبيرة لا زال تعاني منها حتى الان, الامر الذي دفعهم الى رفع راية الاستسلام امام إسرائيل, وعقد اتفاقيات "سلام" معها, وإقامة تحالفات في المنطقة تقودها "إسرائيل" والاندفاع نحو التطبيع بشكل هستيري يدل على الحالة المزرية التي وصل اليها بعض الرسميين العرب, والتي عبر عنها بعض الزعماء في مواقف كثيرة اكدوا خلالها انه آن الأوان للتخلص من عبء القضية الفلسطينية, وإيجاد لغة تفاهم مشتركة مع "إسرائيل" لتنعم المنطقة بالأمن والاستقرار حسب رأيهم, ويحل السلام على شعوب المنطقة, ويسود العدل والرخاء, فالإقرار بسياسة الأمر الواقع, والاعتراف "بإسرائيل" والتمسك بالتعايش المشترك معها بسلام وامان, هو الوسيلة للنهوض بالمنطقة وضمان الهدوء والسلام حسب ما يعتقدون, وامام كل هذا الهوان الرسمي العربي, تعكس "اسرائيل" بكل قبحها وبشاعتها موقفها من العرب بشعارات, العربي الجيد هو العربي الميت, وشعار الموت للعرب, وشعار دولة "إسرائيل" من الفرات الى النيل, وانحصار الدولة في بقعة جغرافية ضيقة يعجل بنهايتها, وهو ما يعني ان "إسرائيل" لديها أطماع استعمارية في المنطقة, وتسعى بكل قوة لتحقيق أهدافها ولن تتوقف ولو للحظة واحدة عن رغباتها واطماعها الاستعمارية.
من يقول بأننا خضنا حروب عدة لأجل فلسطين، ودفعنا ثمن ذلك من ثرواتنا وخيراتنا، لا يعلم نوايا الاحتلال ومخططاته العدوانية, ولا يريد ان يرى حتى لا يصطدم بالواقع المر والمصير المحتوم الذي ينتظره, الشعب الفلسطيني بمقاومته الباسلة هو الذي منع "إسرائيل" من التمدد والانتشار في المنطقة, وهو الذي استطاع بمقاومته ان يجبر "إسرائيل" على انحسار مشروعها وتقويضه, وهو الذي يحمل لواء الدفاع عن هذه الامة, ويبذل من النفس والمال الكثير, وامام هذا العطاء يجد التخلي العربي الرسمي عن نصرته ونصرة قضيته الفلسطينية العادلة, حتى تلك القرارات التي صدرت عن مجلس الامن والأمم المتحدة, باتت خلف ظهر بعض الرسميين العرب, فلا يعنيهم ان تعلن "إسرائيل" ان القدس الموحدة عاصمتها الأبدية, وان لليهود حق في الصلاة بالمسجد الأقصى, ولها حق التوسع في الضفة المحتلة وتحويلها "ليهودا والسامرة" واسقاط حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية, كل ذلك لم يعد يزعج العرب او يقلقهم, فهم كمن يريد التكفير عن جريمة ارتكبها سابقا بان خاض حربا ضد "إسرائيل", لذلك هو يسلم نفسه اليها كتكفير عن هذا الذنب واعتراف بانه كان مخطئ, وانه مستعد تماما ان يدفع ثمن خطأه, حتى وان كان ذلك على حساب حقوق الفلسطينيين, لقد وصل هؤلاء الى حالة من الذل والهوان بحيث انهم باتوا يعتقدون ان "إسرائيل" بكل جرائمها وبشاعتها ستوفر لهم الامن والاستقرار والحماية من الأعداء, فبات \كالمستجير من الرمضاء بالنار, ولا زالت النكسة تعصف بعقله ووجدانه وتزرع الهزيمة في داخله, وتفقده كل عناصر القوة الذاتية التي يجب ان يتقوى بهام امام "إسرائيل".
في الخامس من حزيران عام 1967م شن الاحتلال الصهيوني عدوانا على مصر وسورية والأردن, دامت الحرب ستة أيام, احتلت خلالها "إسرائيل" ما بقى من الأراضي الفلسطينية, ومساحات واسعة من أراضي عربية ومثلت هذه النكسة صدمة كبيرة للشعوب العربية التي كانت تنظر لإسرائيل على انها عصابة وفدت الى المنطقة ومن السهل طردها والتخلص منها, فكان لنتيجة عدوان 67 والذي مر عليه اليوم 55 عاما سقوط نظريات وشعارات قومية عربية طالما تغنى بها الناس, وتحولت "إسرائيل" الى كابوس يطارد الشعوب العربية في كل وقت وزمان ومكان, وانغرست في فطرة الشعوب العربية ان "إسرائيل" هي الد الأعداء التي يجب التخلص منها, وانها تمثل تهديدا للمنطقة العربية برمتها, وان وجودها خطر على الامة, لكن زعامات عربية ارادت ان تغير وجهة النظر العربية من "إسرائيل", وارادت ان تتحول فطرة الناس من النبذ والكره "لإسرائيل" الى حب وود واحترام, لكن شيئا من هذا لم يحدث, فبات بعض الزعماء العرب يمارسون سياسة التقرب والتحالف والتطبيع مع "إسرائيل" على غير رغبة شعوبهم وفطرتها, وجند الرسميين العرب حاشيتهم المقربة اليهم والموصومون بأنهم "تنابلة السلطان" للتسويق لسياساتهم الجديدة, واستخدموا القمع والترهيب والتخوين لمن يواجه هذه السياسة, على اعتبار ان ولي الامر ادرى بمصلحة الامة, وان هذا الرعاع من الشعوب لن يحدد سياسة الدولة وتوجهاتها, لانهم لا يعرفون مصلحتهم وهم يدمرون البلاد والعباد, وان الحاكم أولى بذلك لأنه يعلم الخبايا والأسرار التي لا يعرفها عامة الناس, فحلت النكسة بأبشع صورها, وتولدت منها الوكسة والخيبة والحسرة والندامة هكذا وصل حالنا!.