د. محمد مشتهى
كتيبة جنين ومعها قوى المقاومة هي الفئة القليلة، والعدو الصهيوني هو الفئة الكثيرة، الآن كما بالأمس يشن العدو هجومه الظالم على جنين، يحاصرها بكل ما أوتي من قوة ويحشد حولها جيشه ومدرعاته ويفرض عقوبات على سكانها ويمنع الدخول إليها والخروج منها، وفي النهاية يقرر بناء جدار طوق من حولها ظنا منه أنه سيكسر مقاومتها ورفضها للاحتلال، لكن جنين عودتنا وبالدرس العملي أنها لا تنحني ولا تنكسر أبداً، بل هي من يكسر جبروت الإحتلال وهي المُذلَّة لتكبره، لأن فيها مقاتلين أشداء برتبة جنرالات، فجنين أصبحت هي المانحة للرتب العسكرية بعد أن تحولت لمركز اشتباك دائم، والمعلوم أن الرتب العسكرية الحقيقية تُمنح في مراكز الاشتباك مع العدو، وكما كانت وستبقى القدس كاشفةً للعورات فإن جنين ستبقى كاشفةً لمعادن الثوار.
لقد عودنا إسلامنا وقرآننا بأن النصر لم يكن سره يكمن بالعدد ولا بالامكانيات، ومعارك التاريخ الإسلامي جُلها تشهد على ذلك، إنما يكمن بالايمان بالله وبالحق وقوة العزيمة والارادة، حيث يقول الله تعالى: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ}، إذن النصر والهزيمة بيد الله، والله وعد المؤمنين بنصره فقال عز وجل: {وكان حقا علينا نصر المؤمنين}، فمواجهة العدو نصر، وعدم القبول به نصر، والجُرح نصر والاستشهاد نصر، ودحر العدو نصر وعدم تحقيق أهدافه نصر، والحفاظ على النفس عزيزة نصر، والثبات نصر، وتحريض الناس على القتال نصر، وفي النهاية الله عز وجل وعد المقاتلين في سبيله والذين يخشونه ولا يخشون الناس والذين يتمنون لقاءه، بأنه لن ينقصهم من الأجر شيئا ثم لا يُظلمون فتيلا، كما قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}، ونحن من أكثر الناس الذين كُتب عليهم القتال بحكم أن الاحتلال موجود على أرضنا، وعند حدوث المواجهة مع العدو فإن للمقاتل إحدى الحسنيين، إما النصر وإما الشهادة، ومع ذلك فالفلسطيني يقاتل دفاعا عن أرضه وهذا أمر طبيعي أن يدافع فيه المرء عن بلاده عندما يتم إحتلالها، حتى الكافر يدافع عن أرضه إذا ما تعرضت لغزو، لكن الله أعطى للمسلم كرامةً بأنه يدافع عن أرضه وفي نفس الوقت يؤجر على ذلك، وهذا من فضل الله على المسلمين وعظمة الإسلام.
الناظر لهذا العالم يرى بأنه يتغير والعدو لم يعد العدو ذاته، فكل جبهاته المفتوحة تتقدم عليه، وكما قال البطل الأسير محمود العارضة واصفاً العدو بأفضل وصف يليق به: هذا الوحش وهمٌ من غبار، ومع كل ضربة مجاهد لهذا الوحش فإن إنتفاشته الزائفة تنكشف أكثر، وفي النهاية سيعرف اللاهثون والعابدون لهذا الوحش بأنهم كانوا يعبدون وحشا عبارة عن وهمٌ من غبار، لن ينفعهم إذا جد الجد وليس باستطاعته حماية ممالكهم.