بقلم : د. محمد مشتهى
د رمضان شلح "رحمه الله"، كان دوما يُطالب السياسيين والدول بتعريف "إسرائيل" هل هي عدو أم صديق أم حليف؟ وهذا هو السؤال المركزي الإستراتيجي، فلا يجوز لدولة أن تقول أو توهم الناس بأن "اسرائيل" عدو أو معتدية ثم تتحالف وتنظم مناورات مشتركة وتقيم علاقات اقتصادية معها!!
إن مفتاح العِلْم كله دائما يكمن في الاسئلة: لماذا وكيف ومتى ومَن وهل؟، تماماً كما سأل نيوتن عقله عندما سقطت التفاحة من الشجرة: لماذا سقطت التفاحة؟ بعدها ترتَّب على هذا المفتاح قانون الجاذبية الأرضية، لذلك السؤال المركزي هو: هل أردوغان يعتبر "اسرائيل" عدو أم صديق أم حليف لتركيا؟
أردوغان لا يُعتبر صلاح الدين الأيوبي وليس خليفة المسلمين، نعم أردوغان لديه مواقف سياسية لفظية كثيرة مع القضية الفلسطينية (وهذا مهم)، لكن الأهم هي المواقف السياسية التي يتم ترجمتها على الأرض، مثل إعتبار الكيان الصهيوني كيان معتدي على الأرض الفلسطينية، كما كان يقول أردوغان ذلك مرارا، ولا ننسى رفعه لخارطة فلسطين على الهواء مباشرة وشرحه للعالم كيف "إسرائيل" سَرقت فلسطين قطعة قطعة، وبما أن أردوغان يعتبر لفظيا "إسرائيل" بأنها كيان معتدي على أرض إسلامية لها رمزية دينية في قلب كل مسلم على وجه الارض، فهي أولى القبلتين ومسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، حينها عملياً لا يجوز لأردوغان مصافحة المعتدي على الأقصى، ولا يجوز إجراء مناورات ولا علاقات اقتصادية معه بل مطلوب طرد سفارة هذا الكيان المعتدي من بلاده، ومطلوب أن يتم تقديم الدعم السياسي والعسكري لمن يقاوم هذا المعتدي...أليس كذلك؟
إن الدعم السياسي والعسكري أخطر وأهم لفلسطين من الدعم اللفظي، وأخطر وأهم من بناء مستشفى هنا أو محطة تحلية هناك، وأهم من كل الخطب اللفظية العصماء.
أيضا مطلوب من الفلسطيني أن يكون لديه معيار وطني تحرري ينطلق منه عند إصدار المواقف السياسية تجاه الدول التي تطبع بل واحيانا تمعن في تطبيعها مع هذا الكيان المسخ، خصوصا ما إذا كانت مصنفة دولة عربية أو إسلامية.
الموقف السياسي عند إصداره، إما تكون حساباته ذات بعد وطني، أو ذات بعد حزبي، أو ذات بعد شخصي، وهذه هي الحالات الثلاث المطلوب البحث فيها عند قراءة أي موقف سياسي، فعندما يتم أخذ الموقف السياسي تجاه قضية "ما" من زاوية المصلحة الوطنية فإن المعايير تختلف إذا كان الموقف نابع من مصلحة حزبية أو مصلحة شخصية، المواقف السياسية ذات البُعد الحزبي قد تلتقي مع المصلحة الوطنية، لكنها ايضا قد تبتعد عنها.
إن مُجاملة تركيا ليس له علاقة بالدّين، فتركيا كما الإمارات مصنّفة دولا إسلامية، لكنها للاسف أصبحت ممرات "للاسرائيلي" ينطلق من خلالها لتحقيق أطماع الصهيونية، وإن البعض الذي يُجامل تركيا من بوابة الدّين، هؤلاء يحمّلون الدّين أكثر مما يحتمل، لأن أردوغان ليس خليفة المسلمين، وأولئك حساباتهم ربما تكون حزبية أو شخصية، شخصية بمعنى أنه يوجد طبقة متنفّذة لديها مصالح فئوية تُطلِق مواقف سياسية تنسجم مع مصالحها الشخصية، حتى صمت البعض تجاه تطبيع تركيا مع الإحتلال يعتبر موقف ذات بعد شخصي، ولو كان الأمر يتعلق بدولة لا تربطهم بها مصالح شخصية لوجدتهم أول الصارخين بأعلى الصوت، لأنه ببساطة؛ هؤلاء تربطهم مصالح شخصية مع تركيا لذلك يصمتون، ولا تربطهم مصالح مع دولة أخرى فيصرخون، وهذا لا يمكن اعتباره معيارا وطنيا بل هو معيار شخصي.
حتى لو أخطأ في موقفه السياسي، ننصح كل سياسي بأن يكون معياره الوطن عند إطلاقه لأي موقف سياسي، وليس كل سياسي يأخذ موقف يكون معياره الوطن يعني أنه سيصيب بنسبة 100% في موقفه، الأمر ليس كذلك فهو قد يخطئ حتى لو كان معياره الوطن، لكنه عندما يخطئ يبقى اجتهاد والناس في النهاية ستغفر له اجتهاده، أما لو كان موقفه نابع من منظور حزبي، فإنه حتى لو نجح فلن يَلقى قبولا من كل فئات الشعب لأن تبعات نجاحه ستعود على الحزب نفسه أو على الشخص نفسه، وربما هذا الحزب بعد ذلك يتصارع مع الشعب للدفاع عن مكتسباته التي حققها جراء نجاحه في موقفه السياسي الحزبي، وفي النهاية ستكون هناك قيود من تلك الدول على الحزب عند تحقيقه أي مكتسبات حزبية، لأن العالم ليس جمعيات خيرية تصرف امتيازات للاحزاب والاشخاص بلا قيود.