كيف مثّلت عملية اغتيال زعيم حركة حباد الاستيطانية في دبي نموذجاً قابلاً للتكرار، في ظل الحديث عن كون منفّذي العملية من جنسية أوزبكية، وأين برزت هذه التجربة التاريخية في الصراع ضد الكيان الإسرائيلي؟
فتحت عملية قتل الحاخام الإسرائيلي تسفي كوغان، الباب على مصراعيه نحو استعادة ذاكرة المقاومة الأممية بصورة فعل قابل للتجدّد، في ظلّ الوحشيّة الإسرائيلية التي أفرزت عزلتها العالمية بشكل غير مسبوق، وما تبع ذلك من صدور مذكّرة اعتقال بحقّ رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بيبي نتنياهو، وهي فضاءات رحبة في تفعيل أفق المقاومة خارج فلسطين، ما يجعل كامل منظومة الكيان تحت عين الاستهداف.
ما هي المقاومة الأممية، وكيف مثّلت عملية اغتيال زعيم حركة حباد الاستيطانية في دبي نموذجاً قابلاً للتكرار، في ظل الحديث عن كون منفّذي العملية من جنسية أوزبكية، وأين برزت هذه التجربة التاريخية في الصراع ضد الكيان الإسرائيلي؟
من ميونخ حتى مطار اللد مروراً ببيونس آيرس حتى بلغاريا، اشتعل الفضاء التاريخي بهذه المقاومة الأممية العابرة للقارات والثقافات، ففي عام 1972 اقتحم ثلاثة من مقاتلي الجيش الأحمر الياباني بتوجيه من القائد في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وديع حداد، مطار اللد الإسرائيلي وهاجموا مئات الإسرائيليين، وكان من أبرز القتلى عالم الفيزياء ورئيس الأكاديمية الوطنية الإسرائيلية للعلوم أهارون كاتسير، لتتبعها ببضعة أشهر عملية أخرى في ميونيخ الألمانية، وهي من تخطيط وتنفيذ منظمة أيلول الأسود القريبة من حركة فتح، وقد استهدفت هذه المرة الفريق الرياضي الإسرائيلي في دورة الألعاب الأولمبية، ليتمّ احتجاز لاعبي الفريق بغية المطالبة بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وبعض المعتقلين الألمان في السجون الألمانية، وعند محاولة تحريرهم سقطوا بين قتيل وجريح.
جاءت العمليات في ميونيخ واللد وخطف عدد من الطائرات الإسرائيلية في الوقت ذاته، في سياق رزمة عمليات عبر الفضاء العالمي، وهي عمليات ضربت الإسرائيليين وحلفاءهم الغربيين، واشترك فيها مجاميع من ثوّار العالم خاصة ذوي الميول اليسارية، ممن يرون بالكيان الإسرائيلي إفرازاً غربياً رأسمالياً معادياً لحركات التحرّر العالمية.
ومع انتصار الثورة الإسلامية في إيران نهاية السبعينيات، واشتعال فتيل تردّداتها عبر العالم في الثمانينيات والتسعينيات، أخذ الصراع بين إيران وأميركا يتسع ليشمل الكيان الإسرائيلي باعتبار دوره الوظيفي العضوي كرأس حربة مغروز في قلب الجسد الإسلامي، عندما انتشرت خلايا الجهاد الإسلامي خاصة من لبنان، وبمشاركة مقاتلين من شتى الجنسيات العالمية، وكان أبرز العمليات التي نجحت فيها هذه الخلايا نسف السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس سنة 1992، كردّ على الاغتيال الإسرائيلي للأمين العام لحزب الله الشهيد عباس الموسوي.
وقد توّجت عملية بيونس آيرس سلسلة من عمليات الأسر لضباط وعملاء أميركيّين، وإعدام بعضهم خاصة الضابط الأميركي وليام هيجنز سنة 1988، بعد سنوات قليلة من تفجير مقرّ ضباط المارينز الأميركيين والمظليّين الفرنسيين سنة 1983 بقيادة الشهيد عماد مغنية، وفي سياق مختلف اغتيل الزعيم الصهيوني مائير كاهانا عام 1990 في نيويورك على يد المواطن الأميركي من الأصول المصرية سيد نصير، والذي ما زال معتقلاً حتى الآن في السجون الأميركية.
وكانت آخر العمليات العابرة للحدود ضد الانتشار الإسرائيلي في العالم سنة 2012 في بلغاريا، عندما تمّ تفجير حافلة تقلّ إسرائيليين، واتهم بتنفيذ العملية ثلاثة لبنانيين من جنسيات كندية وأسترالية وفرنسية، وهي العملية التي قيل إنها جاءت في سياق صراع الأدمغة بين عدة أجهزة مخابرات شرقية وغربية، والتي توقّف بعدها النضال الأممي الأمني والمسلّح ضد "إسرائيل"، إلا ما ظهر على السطح في السنوات الأخيرة من صراعات أمنية، أو ما اصطلح الإعلام الإسرائيلي على تسميتها بالحرب الهجينة بين "إسرائيل" وإيران، وكان من ضمنها ضرب بعض السفن المملوكة من الطرفين.
سبق لكثير من الباحثين أن تساءلوا عن السبب في التوقّف عن استهداف الإسرائيليين في العالم، وكذلك عن إحجام المقاومة الفلسطينية بتنظيماتها الجديدة؛ حماس والجهاد عن هذا النوع من النضال، خاصة أنّ لهم أنصاراً وأذرعاً ممتدة في كل دول العالم، هل يعود ذلك لحماية وجودهم غير الرسمي في هذه الدول؟ أو لهدف الحصول على شرعية عالمية للمقاومة الفلسطينية؟ أو هو تأثير من الحلفاء في إيران ولبنان؟ أو لعله ضمن اتفاق مع السلطة الفلسطينية؟
ويزداد التساؤل عندما نستذكر أن جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد، سبق أن نجح وما زال في تنفيذ عشرات الاغتيالات العابرة للحدود في كل مكان من العالم، وكان من أبرزها اغتيال الأمين العام المؤسس لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور فتحي الشقاقي، وذلك سنة 1995 في جزيرة مالطا، ولكن حركة الجهاد فضّلت أن تردّ على هذا الاغتيال في عمق "تل أبيب"، وهو ما تكرّر مع اغتيال رئيس حركة حماس الشهيد إسماعيل هنية في طهران، وقبل ذلك خطف وقتل الشهيد محمود المبحوح في دبي وهو القياديّ البارز في كتائب القسّام.
جاء طوفان الأقصى ومعه حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة ولبنان، مع مخطط لضمّ الضفة الغربية، وهو ما أدخل الكيان الإسرائيلي في عزلة عالمية ونقمة شعبية إنسانية حتى في أميركا وأوروبا، وهي نقمة في نطاق مختلف عن دور جبهات الإسناد الطبيعية في محور المقاومة، ما يفترض أن يمثّل مادة للتحريض العالمي ضده، خاصة بعد ثبات الاحتضان الغربي في أميركا وحتى معظم أوروبا للوحشية الإسرائيلية عسكرياً وسياسياً، في ظلّ التواطؤ العربي الرسمي والعجز الشعبي والمؤسساتي العربي، مع عقم الأمم المتحدة وأجهزتها الخاضعة للسيطرة الأميركية.
سواء تبيّن أن هؤلاء الأوزبك مسؤولون بالفعل عن أسر وقتل ممثّل حركة حباد الإسرائيلية أو غير مسؤولين، وسواء وقفت خلفهم قوى إقليمية أو أممية تتبع المقاومة أو عملوا بشكل شخصي، فإن انطلاق مسار المقاومة الأممية ضد "إسرائيل" نتيجة طبيعية لمجمل ما تمخّض عن الوحشية الإسرائيلية، ما يضيّق الخناق على أنفاس الموساد، وهو ما يمكن أن يدفعه للعمل ضد قطاعات شعبية واسعة على امتداد العالم، لن يكون بمستطاعه كبح جماحها رغم قدرته الواسعة على التجسس والاختراق، خاصة إذا تشعّبت هذه القطاعات العالمية عبر امتداد الطيف الإنساني في شعوب آسيا وأفريقيا الطامحة للتحرّر من الاستبداد الغربي.