Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

بالتطبيع… يتمّ إحياء ذكرى التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني

 سعادة مصطفى أرشيد*

تزامنت في بضعة الأيام الأخيرة، مجموعة من الأحداث على الصعيد الفلسطيني الداخلي، تتضارب في ما بينها وتخالف منطق السياسة، فمن جانب زار الرئيس «الإسرائيلي» إسحاق هيرتسوغ مدينة الخليل في جنوب الضفة الغربية، وبرفقته حشد كبير من غلاة المستوطنين والسياسيين «الإسرائيليين»، الحرم الإبراهيمي بالمدينة، واحتفل وصحبة من هناك بإشعال شموع عيد الأنوار اليهودي «حانوكاه»، وقد مرّت الزيارة بسلاسة وأمان ومن دون منغصات، فالرئيس «الإسرائيلي» هذا، لم يلق بالاً لما صدر من تصريحات وتهديدات وإدانات وشجب ورفض، رداً على زيارته، فهو يعرف كما يعرف المواطن الفلسطيني، أنها ليست أكثر من لزوم «الشغل» ولا تمثل أكثر من غضبة عابرة موسمية، جربت مراراً، ولم يعد أحد راغباً في تصديقها، فقد أثبتت بالتجربة أنها من فارغ القول والكلام غير المرتبط بأيّ فعل غير التصريحات التي ترى أنّ هذه الزيارة خروج عن القانون ومساس بالمقدسات الدينية، وتخالف الاتفاقات المعقودة، وانتهاءً باعتبارها طعنة في ظهر القدس، الذي لم يبقَ فيه مكان للطعن، إذ تكسّرت فيه النصال على النصال، هذا ويعرف «الإسرائيلي»، وكذلك المواطن الفلسطيني، حجم وكم السلاح المنتشر في المدينة، بأيدي مليشيات عشائرية، قد خصص لحرب العوائل ضدّ بعضها البعض، لم تطلق رصاصة من ذلك السلاح، ولم يحصل أيّ خرق أمني، وإنما كانت زيارة هيرتسوغ بمثابة هدنة مؤقته بين العائلات الخليلية المتقاتلة.

في اليوم التالي لزيارة إسحاق هيرتسوغ، التاسع والعشرين من الشهر الماضي/ تشرين الثاني، كان يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، وهي ذكراه الرابعة والأربعين، فقد صدر في مثل ذلك اليوم عام 1977، قرار عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة، يعتبر هذا اليوم، يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، ومع حقه المشروع في الحرية والاستقلال وحقه الخلاص من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة، وعلى حقه في تقرير مصيره أسوة بغيره من الشعوب، ومع أنّ الذكرى لا تزال قائمة، ويصدر في كلّ عام بيان أممي في ذكراها، إلا أنّ تآكل الاهتمام بالشأن الفلسطيني عالمياً وعربياً وحتى فلسطينياً جعل الجميع يتناساها.

في اليوم السابق لزيارة هيرتسوغ أعلن عن التطبيع المغربي- الإسرائيلي، الذي تتضمّن ملاحق أمنية وعسكرية، الأمر الذي أثار أيضاً عاصفة سريعة من الشجب والاستنكار والإدانة والرفض، لهذه الخطوة المغربية التطبيعية، كما حصل سابقاً عند التطبيع الإماراتي والبحريني والسوداني، ولكن ما أن انقضى يومان على عاصفة الإدانة والشجب الفلسطينية لمواقف الدول المطبعة، وفي ذات اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي تناساه أصحابه رسمياً وفصائلياً وشعبياً، يعقد في رام الله وفي مباني المقاطعة حيث مكتب الرئاسة، وفي قاعه أحمد الشقيري الواسعة، لقاء تطبيعي وبدعوة فلسطينية رسمية، قامت بها إحدى لجان منظمة التحرير «لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي» والتي يرأسها عضو في لجنة فتح المركزية- أعلى إطار قيادي في حركة فتح.

لجنة التواصل مع المجتمع «الإسرائيلي» هذه، كانت قد وجهت دعوات مبكرة لمجموعة من «الإسرائيليين» من كتاب وصحافيين وأمنيين متقاعدين وعاطلين عن العمل أو باحثين عن دور لا يجدونه في بيئتهم. وقد أطلقت عليهم اللجنة المذكورة لقب مناضلين، وهي تدعوهم للانضمام إلى نظرائهم المناضلين الفلسطينيين، والذين ينحصر نضالهم في التطبيع والبحث عن سلام موهوم، وكما جاء في الدعوة، «إسرائيليون» وفلسطينيون معاً من أجل السلام بين الشعبين، وتريد لجنة التواصل مع المجتمع «الإسرائيلي» العمل المشترك مع نظرائهم من المناضلين «الإسرائيليين» على حلّ الدولتين.

حلّ الدولتين قد تجاوزه الزمن، كما تجاوزته الأحداث والحقائق التي فرضتها السياسات الحكومية «الإسرائيلية» في الضفة الغربية على أرض الواقع أمام ناظرينا، من استيطان ومصادرة أراض وشقّ طرق التفافية وغير ذلك ما يطول شرحه وبيانه، حلّ الدولتين مات منذ زمن، ولم يعد وارداً، ولكنه بقي حياً ويعشّش في جيوب بعض المتكسّبين من إعادة طرحة، كما في البيانات الرسمية النمطية.

إنه حقاً أمر غريب لا ينسجم مع منطق السياسة، ولا بأيّ شكل من الأشكال، إنه تطبيع ما بعده تطبيع، هذا وان كنا ندين ما أقدمت عليه المغرب والسودان ودول خليجية أخرى في تطبيعها مع «إسرائيل»، فإنّ ما نفعله نحن الفلسطينيين أصبح أمراً يفوق الاحتمال، ولا أدري كيف ندين التطبيع ونمارسه، بأي وجه يتحدث ناطقونا بالإعلام، الذين يحللون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم، وفي غالب ظني أنّ مشكلتنا مع هؤلاء المطبّعين العرب أنهم لم يتأبطوا ذراعنا أثناء سعيهم هذا التطبيعي، فنحن نريد أن نكون الوكيل الحصري للعلاقة القومية والعربية الإسلامية مع «إسرائيل».

هكذا أحيا الفلسطيني الذكرى الرابعة والأربعين لليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.

ويحضرني ختاماً بيت من الشعر للإمام الشافعي:

نعيب زماننا والعيب فينا

وما لزماننا عيب سوانا