في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، باتت الضرورة ملحة لمطالبة الأمم المتحدة بتنفيذ القرارات الدولية بشأن القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها، تلك المتعلقة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم فلسطين. يعتبر يوم التاسع والعشرين من تشرين الثاني من كل عام، يوماً خاصاً
بالتضامن مع الشعب الفلسطيني. ثمة أسئلة تطرح في هذا اليوم، في مقدمتها، ما هي الحقوق التي نالها الشعب الفلسطيني بعد مرور أكثر من خمسة وستين عاماً على نكبة الفلسطينيين الكبرى. وفي هذا السياق تبرز قضية اللاجئين (1948-2013) على أنها القضية الأهم في إطار القضية الفلسطينية، حيث أصدرت هيئة الأمم المتحدة أكثر من خمسين قراراً يقضي بوجوب عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم من جراء الطرد القسري وتدمير قراهم. وقد رفضت الدولة الصهيونية على الدوام تنفيذ القرارات الصادرة عن الشرعية الدولية، وفي نفس الوقت لم يجبر المجتمع الدولي إسرائيل على تنفيذ تلك القرارات الدولية بشأن فلسطين.
ومن أهم تلك القرارات ذات الصلة بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الحادي عشر من كانون أول عام 1948، وكذلك القرار 302 الصادر في 8 كانون الأول 1950، والقرار 512 الصادر في 26 كانون الثاني 1952، إضافة إلى قرارات أخرى قريبة في بنودها لجهة تحقيق فرصة لعودة اللاجئين إلى ديارهم بأقرب وقت ممكن، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة الطرد القسري والاقتلاع من أرضهم.
في عام 1948 تشكلت هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، وتولت أعمال الإغاثة لوكالات الأمم المتحدة المتخصصة والمنظمات غير الحكومية، بعد إمعان المنظمات الصهيونية في قتل وتهجير اللاجئين الفلسطينيين، تدخل المجتمع الدولي بزعامة الأمم المتحدة، وبدلاً من وضع حد للإرهاب الصهيوني، مع تزايد أعداد اللاجئين وتمركز معظمهم على حدود الوطن «بلدان الطوق» ومنع السلطات الصهيونية بحزم عودتهم، قامت الأمم المتحدة بإدخال تطوير على تلك اللجنة وتوسيع مهامها، حين تبين أن قضية اللاجئين لن تحل سريعا. فبدلا من وضع حد للإرهاب الصهيوني، حولت القضية من قضية سياسية «شعب يُطرد من أرضه غصباً» إلى قضية إنسانية «شعب يبحث عن مأوى وطعام».
وأنشئت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين في الشرق الأدنى عام 1949 وباشرت عملياتها في أيار 1950 مع أنها اعتبرت وكالة مؤقتة فقد تم تجديد ولايتها بانتظام كل ثلاث سنوات، وتُعد تعبيراً عن مسؤولية المجتمع الدولي في إيجاد حل لقضية اللاجئين وفقا للقرار 194 الذي تم التأكيد عليه (135) مرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ صدوره. واعتمدت «الأونروا» في عملها بين اللاجئين الفلسطينيين على أرضية تعريف صاغته للاجئ الفلسطيني، أي تعريف إجرائي وليس سياسياً يهدف إلى توفير معيار ومقياس لتقديم مساعدات الوكالة على النحو التالي: اللاجئ الفلسطيني كل شخص كان مسكنه العادي في فلسطين لعامين سبقا نزاع 1948، والذي كان من نتائجه أن خسر منزله ووسائل عيشه ولجأ في عام 1948 إلى واحد من البلدان التي تقدم الأونروا فيها خدماتها، وينسحب هذا التعريف على أولاده وأحفاده وذرياتهم وأن يكون مسجلاً في مناطق عملياتها وهي خمس مناطق: الضفة الغربية، قطاع غزة، سوريا، لبنان، الأردن.
وتشير الإحصاءات إلى وجود نحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني مسجلين في سجلات الأونروا في العام الحالي؛ وثمة 41 في المئة منهم يتركزون في المملكة الأردنية الهاشمية؛ و22 في المئة في قطاع غزة الذي يضم ثمانية مخيمات بائسة؛ في حين تستحوذ الضفة الغربية على 16 في المئة من إجمالي مجموع اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في الأونروا؛ في مقابل ذلك تستأثر سوريا بـ10.5 في المئة وكذلك هو الحال في لبنان.
وقد أصدرت السلطات الإسرائيلية حزمة من التشريعات العنصرية لزعزعة الكيان الشرعي الفلسطيني، وهذه القوانين بحسب تسلسلها الزمني هي:
أولاً: قانون أملاك الغائبين المتروكة لعام 1950، وقد نص على وضع أملاك العرب تحت الحراسة، ويحق للحارس، أو القيّم على هذه الأملاك بيعها لقاء ثمن تحدده السلطات الرسمية.
ثانياً: قانون استملاك الأراضي وصدر عام 1952، وهو يخوّل لسلطة الاحتلال، الاستيلاء على الأراضي العربية بحجة استخدامها في أغراض التعمير والتنمية والاقتصاد أو لأسباب تتعلق بأمن البلاد العام.
ثالثاً: قانون التصرّف، الذي صدر عام 1953، ويشترط على صاحب الملك، أن يتصرف في أملاكه تصرفاً فعلياً بشخصه هو مباشرة، ويمنح هذا القانون وزير مالية إسرائيل صلاحية إصدار قرار قاطع بأمر الاستيلاء على الأملاك المعنية وتسجيلها ملكاً للدولة باسم (هيئة التعمير والتنمية).
رابعاً: قانون تقادم العهد أو مرور الزمن، وقد صدر عام 1957، فالمالك لأرضه لا يحق له الاحتفاظ بها متى قدّم إثباتات تؤكد تصرفاً لطيلة 25 عاماً، وبذلك تسقط حقوق المالكين العرب تحت ستار مرور الزمن.
والملاحظ أن كل القرارات المذكورة والتي صدرت عن السلطات الصهيونية في ما بعد، قد عبّرت عن نزعة الفكر الاجتماعي الصهيوني لإضفاء الصبغة الشرعية على الاحتلال الذي سيطر على الأرض الفلسطينية بفعل القوة، وذهبت القوانين الصهيونية أبعد من ذلك، حين اعتبرت أصحاب الأملاك من العرب الذين أجبروا على الابتعاد عنها من الغائبين حتى لو سكنوا في مناطق أخرى من الجزء المحتل عام 1948. وقد امتدت صلاحيات القوانين لتطال الوقف الإسلامي، حيث أصبح القيّم على أملاك الغائبين مسؤولاً عن تأجير واستخدام أملاك الوقف الإسلامي التي تبلغ حوالي 30 في المئة من مجموع أملاك الغائبين، ويبلغ مقدارها 16/1 من أراضي فلسطين ككل؛ ويُذكر أن يوم الأرض في 30 آذار 1976 كان رداً على مصادرة أراضي الفلسطينيين في الجليل وغيرها من المناطق العربية، وكذلك انتفاضة أم الفحم في عام 1998. وتحاول السلطات الإسرائيلية من خلال سيطرتها على الأوقاف العربية بث النعرات الطائفية كما جرى في الناصرة في نيسان 1999.
ولم تتوقف السلطات الإسرائيلية عند هذا الحد بل استصدرت قوانين عديدة خلال الفترة الممتدة بين الأعوام (2000-2013) لمصادرة مزيد من أراضي الفلسطينيين في داخل الخط الأخضر. واللافت أن حكومة نتنياهو هي أكثر حكومة في تاريخ إسرائيل قامت بإحياء قوانين عنصرية واستصدار قوانين أخرى؛ وكان من أهمها قانون الغائبين وقانون المواطنة والولاء.
وبالعودة إلى القرار 194، الصادر قبل خمسة وستين عاماً، فإن الجمعية العامة للأمم استصدرته بالتحديد في يوم 11-12-1948، وقد نصّ على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى المناطق التي طردوا منها في عام 1948. وفي عام 1949 أضيفت إلى القرار فقرة خاصة بدفع تعويضات اللاجئين. وكان من المفروض أن يرغم مجلس الأمن الدولي إسرائيل على تطبيق القرارات الدولية، غير أن اللاجئين ما زالوا ينتظرون في مخيماتهم تنفيذ تلك القرارات ليعودوا إلى ديارهم التي طردوا منها. واستناداً إلى تقارير مبعوث مجلس الأمن الدولي خلال الفترة (1948-1949) رالف بانش، وتقارير تحقيقات مندوبي هيئة الأمم المتحدة للفترة الممتدة بين (1948-1950)، وتقارير الصليب الأحمر الدولي للأعوام (1948-1950) وتقرير الأونروا خلال الفترة (1950-1958) فإن الأشخاص والأملاك المشمولة في فقرة التعويضات، هم ممن ينتمون إلى المناطق التي احتلها الإسرائيليون خارج قرار التقسيم، وهو القرار الصادر في 1947 تحت رقم 181 ويعطي لليهود وللدولة الإسرائيلية 54 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية، بينما استولت إسرائيل إضافة على ذلك على 22 في المئة من الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية.
ويبقى القول بأنه في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، باتت الضرورة ملحة لمطالبة الأمم المتحدة بتنفيذ القرارات الدولية بشأن القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها، المتعلقة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، وتفكيك المستوطنات من الضفة الغربية وخاصة من مدينة القدس.