Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

اغتباط "إسرائيلي" بالتطبيع السوداني: الجبهة البحرية الجنوبية "مأمونة"

وكالات

بقلم: علي حيدر

ينطوي اتفاق التطبيع بين كيان العدو والسودان على مروحة واسعة من المصالح الاستراتيجية "الإسرائيلية". فالسودان، وإن لم يكن جزءاً من دول الطوق، إلا أن التطبيع معه يتجاوز كونه امتداداً لمسار سبقه فيه النظامان الإماراتي والبحريني، ويترقّب نظام آل سعود، الذي يدفع بوكلائه وأتباعه وحلفائه إلى الأمام، التوقيت الملائم للالتحاق به؛ إذ إن للسودان خصوصية تنبع من واقعه الجغرافي والسكّاني والسياسي، فيما يسهم أداء الطاقم الحاكم فيه، في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها، في تعزيز الرهانات والفرص بالنسبة إلى "إسرائيل"، من أجل استخدامه كأداة وظيفية في أكثر من ساحة واتجاه، وما الانخراط في العدوان على اليمن إلا نموذج من ذلك.

في البعد الاستراتيجي لعمليات التطبيع المتواصلة، لا يمكن فصل هذا المسار عن الرؤية الأميركية – "الإسرائيلية" للبيئة الإقليمية، وتقدير الحليفين للتهديدات المحدقة بالأمن القومي "الإسرائيلي". ومن هذه الزاوية، فهو يندرج ضمن سلسلة محطّات لها سياقها الاستراتيجي، الذي لا يتعارض مع البعد الظرفي المتّصل بكلّ من أطرافه. ذلك أنه جزء من الخطوات الرئيسة التمهيدية لإنتاج بيئة إقليمية متحالفة مع كيان العدو، ومعادية لمحور المقاومة، وتحديداً لعمقه الاستراتيجي المتمثّل في إيران، وتصبّ نتائجها المباشرة في مصلحة تصفية قضية فلسطين، وتعزيز موقف المحتلّ.

أمّا في البعد الظرفي، فمن الواضح أن أصل اتفاقات التطبيع، وأسلوب تظهيرها المُذِّل، وما واكبها من استعراضات ومواقف، تهدف كلّها إلى استثمار الاتفاقات في الداخل الأميركي، ولا سيما أن إشهارها أتى عشية الانتخابات الرئاسية، كما أنها تُمثّل مطلباً "إسرائيلياً" في هذه المرحلة، وتحديداً لرئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، الذي لم يُفوِّت فرصته في التوظيف في الداخل "الإسرائيلي" في مواجهة التحدّيات وتراجع شعبيته.

في ما يتّصل بالسودان تحديداً، يمثّل إعلان التطبيع معه خطوة نوعية في سياق توسيع نطاق شرعنة الاحتلال الصهيوني لفلسطين. وهو هدف استراتيجي عام منذ قيام دولة "إسرائيل"، لكونه يشكّل تتويجاً للمخطّط الذي بدأ بفرض وقائع استيطانية في ظلّ الاحتلال البريطاني، ثمّ انتقل إلى قيام «الدولة»، وفي مرحلة لاحقة توسيعها بقدر ما سمحت به مجريات الصراع، في موازاة عمليات التهويد التي كان ولا يزال يفرضها الاحتلال على الأراضي الفلسطينية المحتلّة.

مع ذلك، ما كان حلماً بالنسبة إلى القادة المؤسِّسين للكيان الصهيوني، بات يتحقّق اليوم على يد بعض أنظمة العرب، وتحديداً نظام آل سعود الذي يدفع بالآخرين ويمهّد لهم الطريق بالغطاء السياسي والإعلامي والمالي.

في هذا السياق بالذات، تبرز أهمية انخراط السودان في المخطّط الذي يستهدف قضية فلسطين أرضاً وشعباً ومقاومة، نظراً إلى موقع هذه الدولة في تاريخ الصراع، بالمقارنة مع غيرها من العرب الذين لم يشاركوا في أيّ حرب مع "إسرائيل". فقد كان السودان شريكاً في أكثر من حرب إلى جانب الجيش المصري ضدّ كيان العدو، فضلاً عن أن عاصمته الخرطوم هي التي احتضنت القمّة العربية في العام 1967، والتي أعلن فيها العرب اللاءات الثلاث: لا صلح، لا مفاوضات، لا اعتراف.

هذه الرمزية، وما تؤشّر إليه من أبعاد ومصالح استراتيجية، كانت محور تقرير نشرته وزارة الاستخبارات "الإسرائيلية" حول «الإنجازات» التي يُفترض أن تَتحقّق خلال السنوات المقبلة من خلال التطبيع مع الخرطوم، والمتمحورة بشكل رئيس حول القضايا الأمنية والعسكرية واللاجئين، علماً بأن كيان العدو لا يخفي مصالحه من وراء نسج علاقات تطبيع وتحالف مع الدول العربية، بل يرى في ذلك إنجازاً يتباهى به في الداخل والخارج.

وإذ أشار التقرير المذكور إلى أن "السودان يقع على شواطئ البحر الأحمر، على مسار تهريب" في أكثر من مجال، وتحديداً «السلاح والتجارة من الشمال إلى الجنوب»، فهو رأى أنه، في ضوء هذا الموقع، والتموضع السوداني الجديد الذي يمليه اتفاق التطبيع، سيتعزّز الأمن "الإسرائيلي"، عن طريق تقليل خطر "تموضع جهات معادية على طول خطّ الملاحة الأساسي "لإسرائيل"، وعلى المدى البعيد، هناك إمكانية لعمليات أمنية مشتركة في المنطقة".

كذلك، تحدّث التقرير عن «الإنجاز» "الإسرائيلي" المتمثّل في استبدال الدور الذي لعبه السودان في دعم المقاومة في فلسطين، بدور مضادّ عبر «منع تهريب السلاح عبر خطّ السودان - مصر - غزة، ومنع تموضع جهات تجهّز لعمليات معادية على أراضيه، وإمكانية إحباط إقامة قواعد بحرية لجهات معادية مثل إيران وتركيا على شواطئ البحر الأحمر». وتحضر في هذا السياق عمليات نقل الأسلحة من إيران وسوريا إلى فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، في مراحل سابقة، عبر السودان.

وقد حاولت "إسرائيل"، في ذلك الحين، إحباط بعض هذه العمليات، من خلال استهدافات نَفّذتها على الأراضي السودانية. وتناول التقرير، أيضاً، إمكانية التعاون بين السودان و"إسرائيل" في مجال الهجرة والتسلّل. أما في مجال السياحة، فقد لفت إلى الاستفادة من الأجواء السودانية، لكونها تؤدّي إلى تقصير الرحلات الجوية إلى دول في أفريقيا مثل إثيوبيا وجنوب أفريقيا أو أميركا اللاتينية. وفي سياق متصل، أعلن نتنياهو أن «وفوداً من السودان و"إسرائيل" ستجتمع قريباً لبحث التعاون في العديد من المجالات، بما في ذلك الزراعة والتجارة وغيرها من المجالات المهمة".

الخلاصة الأهمّ لهذا المسار التطبيعي، أنه يتجاوز في رسائله وأهدافه مجرّد نسج علاقات بين كيانات سياسية مُحدَّدة وكيان العدو. فهو في الواقع استمرار للعدوان "الإسرائيلي" وللتوسّع الصهيوني بأدوات عربية، بهدف تصفية القضية الفلسطينية، ولهذه الغاية يأتي التطبيع كجزء من مخطّط إعادة تشكيل المعسكر الأميركي، والذي تؤدي فيه الدولة العبرية بشكل علني دوراً مركزياً، من أجل مواجهة محور المقاومة، وتعزيز مكانة "إسرائيل" الاستراتيجية في المنطقة، على أمل أن يسهم ذلك في بثّ روح اليأس في وجدان الفلسطينيين، عبر فرض طوق محكم عليهم، ودفعهم إلى التسليم بالوقائع الجديدة، بذريعة أنه لم يعد هناك عمق عربي يستندون إليه في المواجهة. وهكذا، يتّضح في كلّ مقاربة لتطوّرات البيئة الإقليمية والخطوات التطبيعية التي تتوالى، أن من أهمّ عوامل إحباط المخطّط المذكور صمود الشعب الفلسطيني وتمسّكه بالمقاومة، التي لا يتردّد قادة العدو في الاعتراف بأن محورها بات يهدّد أمنه القومي ومستقبل وجوده في المنطقة. (المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية)