Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

من يجرؤ على الكلام في مواجهة "زعران" التنسيق الأمني

| عليان عليان
الجريمة البشعة التي نفذها ما يزيد عن 25 عنصراً من عناصر الأمن الوقائي ومخابرات السلطة الفلسطينية، بغطاء وترخيص من سلطات الاحتلال في المنطقة (
H2) من مدينة الخليل، التي سبق وأن قبل بتقسيمها المفاوض الفلسطيني نبيل شعث بتعليمات من مرجعياته السياسية، تشكل وصمة عار في جبين  السلطة الأسود، التي امتهنت اعتقال وتصفية  الناشطين السياسيين، وقدمت خدمات متواصلة للعدو الصهيوني في الكشف عن العمليات الفدائية قبل وقوعها، وفي الكشف عن أماكن وجود أبطال المقاومة الذين نفذوا عمليات فدائية ، لتسهيل عملية قتلهم أو اعتقالهم من قبل قوات الاحتلال.

نزار بنات (أبو كفاح) من الرجال القلائل الذين كشف حقيقة السلطة وأجهزتها وقياداتها الفاسدة بالمعلومة والبرهان، وكشف حقيقة أن القضاء أداة رخيصة بيد السلطة، وأن السلطة وكيل أمني للاحتلال، وقال ما لم تجرؤ الكثير من الفصائل على قوله دون رتوش وعبارات علاقات عامة.

وقد يذهب البعض إلى القول، أن ما صرح به نزار بنات يعرفه أصغر طفل في الشعب الفلسطيني، وأوافقهم على ذلك، لكن نزار هو الوحيد الذي تجرأ على الكلام في لقاءاته ومقابلاته وفي فيديوهاته المتواصلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو الوحيد الذي عمل على تظهير خفايا الصورة، ومزق كافة الخطوط الحمراء التي حددتها السلطة بشأن تقييد حرية الرأي، غير آبه بما سيلحق به من اعتقال وتهديد بالقتل، حرصاً منه على القضية وعلى الشعب، وعلى أطفال فلسطين ليعيشوا بحرية وكرامة، هذه الجريمة غير المسبوقة في تفاصيلها على الصعيد الفلسطيني، تتماهى في بشاعتها مع جريمة قتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا، بفارق أن نزار بنات مناضل فلسطيني ضد الاحتلال وضد فساد السلطة ودورها الأمني ، في حين أن خاشقجي كان جزءاً لا يتجزأ من منظومة الحكم السعودي المرتهنة للولايات المتحدة والذنب الذي اقترفه هو توجيه النقد لممارسات ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان".

فإذا كان خاشقجي قد تم تقطيع جسده بالمنشار، من قبل فريق موت حضر إلى إسطنبول من الرياض وتم إخفاء جثمانه الممزق إرباً إرباً، فإن نزار بنات لم يقتل أيضاً على يد قاتل واحد بل قتل على يد فريق موت مشكل من 25 عنصراً من أمن السلطة الوقائي ومخابراتها، اقتحموا بيت عمه الذي كان نائماً فيه، وقاموا بقذف ثلاث علب من غاز الفلفل السام على وجهه، وبتعريته من ملابسه، وأوسعوه ضرباً بالعتلات والقضبان الحديدية وبأعقاب المسدسات في رأسه وفي كافة أجزاء جسده، وقاموا بسحله على  الطريقة الإسرائيلية ما أدى إلى ارتقائه شهيداً.

لقد بات واضحا ًأن الفيديو الأخير هو الذي دفع مؤسسات السلطة لاتخاذ قرارها بوضع حد لحياته وتصفيته خارج القانون... وأي قانون؟! عندما تحدث عن صفقة المطاعيم الفاسدة التي اشترتها السلطة من الكيان الصهيوني، وعن فساد الأجهزة الأمنية منذ مرحلة ما قبل الخروج من بيروت، وبيعها الأسلحة التي حصلت عليها المنظمة من أصدقاء المقاومة الفلسطينية، إلى حزب الكتائب والقوات الانعزالية اللبنانية، وعن تسليمها في تلك المرحلة للمناضل السعودي "ناصر السعيد" للحكومة السعودية مقابل بضعة ملايين من الدولارات، وعن فساد القضاء والتنسيق الأمني.. الخ.

لم تتمكن قيادة السلطة وأدواتها الإعلامية، من الرد على تفاصيل ما كان يتحدث به نزار بنات، إدراكاً منها بأن ما يصرح به صحيح مائة بالمائة، وأنها ستخسر في مواجهته قانونياً وإعلامياً، لا سيما وأنه مثقف عضوي ومشتبك، واسع الاطلاع يطرح الأمور بتسلسل منطقي وبشكل مكثف ومقنع، مستنداً إلى معلومات دقيقة في سياق تعبوي ضد فساد السلطة وانحرافها السياسي ودورها الأمني في خدمة الاحتلال. وكل ما استطاعت قيادات السلطة عمله هو ( أولاً) إجراء " قصقصة" في  بعض الفيديوهات كما فعل – على سبيل المثال لا الحصر -مفتي السلطة " محمود الهباش" عندما قام  بإجراء عملية منتجة وقص للفيديو، الذي تحدث به نزار بنات عن الحج إلى مكة لإخراجه من الملة وتحريض الشعب الفلسطيني عليه (وثانياً) أن تقوم باعتقاله واستخدام أسلوب العصا والجزرة معه، حيث اعتقل ثماني مرات، دون أن تهن عزيمته في كشف حقائق بؤس السلطة وفسادها (وثالثاً) التهديد بالقتل وممارسة الاعتداءات على منزله بإطلاق النار وإلقاء القنابل الغازية وقنابل الصوت لترويع أسرته (ورابعاً) اللجوء للتصفية الجسدية من خلال فرق الموت كما حصل معه فجر الخميس الماضي.

وبدلاً من أن تحاول قيادة السلطة وأجهزتها الأمنية، امتصاص غضب الشارع الفلسطيني الذي خرج في مسيرات غضب في رام الله وغيرها، مندداً بالجريمة البشعة ومطالباً بإسقاط قيادة السلطة، راحت هذه الأجهزة توسع المتظاهرين ضربا وتنكيلاً غير آبهة بتداعيات ما تقوم بها رغم الاحتقان السائد في كل بيت فلسطيني جراء ارتكاب هذه الجريمة البشعة.

وفي ضوء هذه الجريمة البشعة غير المسبوقة في طريقة ارتكابها وتنفيذها، على الفصائل الفلسطينية أن لا تكتف بإدانتها، ولا بالمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق بشأنها، وكيف للمجرم أن يشكل لجنة تحقيق لإدانة نفسه، بل يتوجب عليها أن تتحلى بجرأة الشهيد نزار بنات بأن تعلي الصوت عالياً بالمطالبة بحل كافة أجهزة أمن السلطة، باستثناء شرطة الخدمات المكلفة بقضايا السير وحماية الممتلكات وإنفاذ القانون في القضايا الجزائية.. الخ هذا (أولاً) ( وثانياً) عليها أن تتوقف أمام البعد السياسي للجريمة، ما يقتضي منها أن تكف عن المراهنة على جذب قيادة السلطة وأجهزتها إلى خانة الوحدة الوطنية، في ضوء إصرارها على مصادرة نتائج معركة سيف القدس ، وإصرارها على توريط الكل الفلسطيني مجدداً في مستنقع أوسلو والرباعية الدولية، واستمرارها في سياسة كم الأفواه والاعتقالات وشبح المناضلين في سجن أريحا وغيره من سجون السلطة.

 ما يجب الإشارة إليه، أن نزار بنات لم يقتل من قبل عناصر الأمن الوقائي والمخابرات فحسب، بل قتل من قبل كافة قيادات مؤسسات السلطة السياسية والأمنية التي أصدرت قرار تصفيته، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن العقيدة الأمنية التي جرى تلقينها للقيادات الأمنية لتصبح في خدمة الاحتلال، واردة في كل الاتفاقات التي وقعتها القيادة المتنفذة في المنظمة مع حكومات العدو، ابتداءً باتفاق أوسلو (1) واتفاق أوسلو (2) واتفاق الخليل، واتفاق واي ريفر، واتفاق أنا بوليس.

 لكن الاتفاق  الأخطر، هو الذي تمثل بدخول كل من مدير المخابرات الأمريكية الأسبق جورج تينيت على الخط بعد انتفاضة الأقصى عام 2000، وقيام قوات الاحتلال باجتياح الضفة الغربية عام 2003 وتوقيع اتفاق خطة خارطة الطريق، حين وافقت قيادة السلطة على مطلب " تينيت" بأن يقوم الجنرال الأمريكي " دايتون" بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وتحديد وظائفها، وتشكيل كتائب أمنية متخصصة في القمع، من شبان لا سجل وطني لهم ومن ذوي السوابق، حيث جرى تدريبهم في معسكرات في أريحا  وفي الخارج، على يد ضباط أمريكيين، ناهيك أنه جرى تأسيس كلية أمنية في جنين تحت إشرافه لإخضاع المراتب الأمنية لدورات أمنية تثقيفية  في الاتجاه اللاوطني، بحيث ينحصر دورها في تقديم الخدمات الأمنية للاحتلال ، في إطار نهج التنسيق الأمني.

وأخيراً نقول: أن استشهاد القائد الوطني نزار بنات على يد فرقة الموت، قد  قلب الساحر على السحر، فالسلطة اعتقدت أن قتله سيخيف الآخرين، بحيث لا يجرؤ أحد على  الحديث عن خفايا الفساد ومخازي التنسيق الأمني، فإذا بها ترى الشارع الفلسطيني ينتفض في وجه السلطة، رافعاً شعار إسقاط السلطة وقيادتها  إلى جانب شعار مقاومة الاحتلال، وترى أيضاً أن نزار بنات تحول إلى أيقونة وطنية، شأنه شأن المثقف المشتبك باسل الأعرج الذي اعتقلته الأجهزة الأمنية مع خمسة من زملائه الناشطين  لعدة شهور بتهمة أنهم يحضرون  لعمليات ضد العدو الصهيوني، قبل أن يهاجم العدو الصهيوني المنزل الذي كان يقيم فيه في مخيم قدورة قرب مدينة البيرة في السادس من مارس (آذار) 2017، ويغتاله تحت سمع وبصر أجهزة أمن السلطة.

نم قرير العين يا أبا كفاح، فإن الطريق الذي سلكته بجرأة وطنية غير مسبوقة، سيسير مئات الألوف عليه حاملين راية الكرامة الوطنية، راية التصدي للفساد والانحراف الوطني والتنسيق الأمني، وراية التخندق في خندق المقاومة ومحورها ضد الاحتلال.

نقلاً: بوابة الهدف