بقلم: ثابت العمور
تنص المادة الأولى من دستور المملكة العربية السعودية بأنها " دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولغتها هي اللغة العربية، وعاصمتها مدينة الرياض." ويسبق تسمية رئيس الدولة - السعودية- وصف خادم الحرمين الشريفين، بل إن واحدة من محددات الشرعية السياسية لنظام الحكم تستند على البعد الديني قبل البعد التاريخي وغيره من أبعاد تقتضيها أي شرعية سياسية. وحدث جدال ذات مرة بعدما كُتب مقال جاء فيه " هل السعودية دولة سلفية؟، وتصدر حينها خالد الدخيل للرد على المقال في صحيفة الحياة اللندنية وتحديدا في 24 يوليو 2016 وجاء في رد الدخيل هل السعودية دولة دينية؟ فقال :" .. مؤكدا أن هذا ليس صحيحاً ولا دقيقاً ولا يتفق مع واقع حال دولة ليست، ولم تدّع يوماً أنها دولة دينية. فهي أولاً وأخيراً كانت ولا تزال دولة عربية إسلامية، وبمثل هاتين الصفتين لا يمكن اختزالها في بعد من دون آخر". ويبدو أن هناك فرق بين الصفة الدينية والإسلامية. لكن السؤال المشروع هل هناك علاقة بين التطبيع والحاخامات والسعودية، وان كانت توجد حساسية من تعريف السعودية بالدولة الدينية لماذا يتمدد الحديث عن التطبيع بغلاف ديني يقوده الحاخامات؟.
مناسبة ما سلف أن هناك تمدد واضح لليهودية في بعدها الحاخمي تجاه السعودية، أي انه بخلاف الحديث عن سيناريوهات التطبيع مثلا ووقوع المملكة فيه من عدمه، هناك حرص في الرواية الإسرائيلية على استدعاء الحاخامات عند أي حديث عن السعودية، وهذا ليس سرا، بل تقابله شواهد وحقائق كثيرة على الأرض، ففي سابقة تاريخية استقبل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، لأول مرة في تاريخ المملكة، حاخاماً إسرائيلياً بشكل علني، ووقع ذلك في 20 فبراير 2020، ولم تتنكر وسائل الإعلام السعودية للحدث بل جاءت على ذكره وتأكيده، وأفردت له وكالة الأنباء الرسمية السعودية مساحة معقولة، دون الإشارة للأسماء. وهو ما لم تفعله وزارة الخارجية الإسرائيلية التي كتبت على حسابها في توتير تقول: "لأول مرة يستقبل الملك سلمان ملك السعودية وفداً متعدد الأديان في قصره اليوم بضمنه الحاخام اليهودي دافيد روزين، في نطاق المساعي الحميدة لبناء جسور التسامح بين مختلف الأديان".
وبالبحث عن الحاخام دافيد روزين يتبين أنه بريطاني إسرائيلي، من مواليد المملكة المتحدة عام 1951، حائز على نيشان الإمبراطورية البريطانية من رتبة قائد، ووسام القديس غريغوريوس من رتبة فارس قائد، وهو ما يدل على أهميته بالنسبة لليهود. بالمناسبة تعلم السعودية أن الحاخام يحمل الجنسية الإسرائيلية. والرجل - الحاخام- اعترف في لقاء له مع موقع تايمز أوف إسرائيل؛ عقب الزيارة بأن اللقاء لم يكن ممكنا لو يكن هناك تقارب بين المملكة وتل أبيب. ولست بمعرض الاستدارة هنا للبحث في مؤشرات ذلك وهي كثيرة وتتمدد، ولكن الهدف هنا هو استدعاء التطبيع والعلاقة مع السعودية في الرواية اليهودية وتحديدا تلك التي يقدمها الحاخامات.
التجرؤ على السعودية في رواية الحاخامات أخذ الأسبوع الماضي بعدا أكثر وضوحا وثقة، بلغت أن يُعلن حاخام إسرائيلي بأنه سيكون الحاخام الأول لليهود في السعودية، جاء ذلك في صحيفة مكور ريشون العبرية؛ وقد نقلت عن الحاخام يعكوب يسرائيل هرتسوغ، قوله "إن السعودية فيها جالية يهودية كبيرة جلهم من اليهود الأمريكيين في القوات المتواجدة بالمملكة". وكتب في ذات الصحيفة تسفيكا كلاين، قائلا إن: "السعودية شهدت تواجد جالية يهودية قديمة، لكنها في القرن الماضي حظرت هذا الوجود اليهودي بالكامل تقريبًا، موضحا أن الحاخام يعكوب هرتسوغ، الذي يعيش في القدس المحتلة، يعتزم أن يكون الحاخام الرئيسي للمملكة، مؤكدا أن ذلك سيفتح قريباً صفحة جديدة بين السعوديين واليهود".
وفي الرواية التي يقدمها الكاتب الإسرائيلي تسفيكا كلاين يُعرف فيها "الحاخام يعكوب يسرائيل هرتسوغ، 44 عامًا، متزوج وأب لسبعة أطفال، من سكان حي رمات شلومو في القدس، نشأ في مؤسسات دينية صهيونية، وحصل على شهادة حاخامية من المجتمع الأرثوذكسي المتطرف، وعندما سُئل عن دوره في المملكة، البلد الذي زاره كثيرًا على مر السنين، وصف نفسه بأنه حاخامها الرئيسي، وأن مسؤولي المملكة يعرفونه على هذا النحو".
الإشارة الأعمق في الرواية أن الحاخام يعترف بأنه على اتصال بالسعوديين منذ 25 عامًا، وأن هذا جزء من عمله الخاص بتصدير البذور من إسرائيل ، مؤكدا أن علاقته عندما بدأت مع السعوديين كان الوضع هناك تجاه إسرائيل واليهود مختلفًا، بدوا منخرطين بشأن القضية الفلسطينية، ما أثار الكثير من العداء بيننا وبينهم، لكن الأمور تغيرت على مر السنين". ويبدوا أن التغير بات جذري ولم يعد لدى الحاخام مشكلة في الدخول والخروج للملكة ويرى أنه "كيهودي إن أراد الوصول إلى هناك فلن تكون مشكلة حقيقية، لأن لحيتي الكثيفة هذه، إذا ارتديت ملابس محلية، وقلت إنني مسلم، يمكنني دخول مكة بسهولة". يُذكر أنه في حرب الخليج الأولى 1991، أصرت السعودية أن يصلي الجنود الأمريكيون اليهود على متن السفن، وليس على ترابها".
رواية الحاخام وأحلامه لا تبدو مستحيلة فالرجل يقول أنه "في كل أسبوع يتلقى من السعوديين صورًا وفيديوهات لفائف توراة يهودية، أو تمائم تنتقل من جيل لآخر، يريد بعضهم بيعها، وآخرون إعادتها لليهود". ويتدرج في التفاؤل ليخبرنا بأنه قبل عامين، قرر أن يصبح الشخصية الحاخامية الكبرى في السعودية، وبلغت روايته حدا ليقول "إذا سألت السفارة الأمريكية بالرياض عن الحاخام الرئيسي في السعودية، فسيتم إحالتك إلي، كل المؤسسات السعودية تعرفني، بما فيها وزارتا الداخلية والخارجية، وحتى الأماكن الأكثر عزلة، لديّ إذن شخصي من السلطات لعقد صلاة لـ120 يهوديا، والخطوة التالية هي الحصول على مكان لمعبد يهودي، وأعتقد أنه خلال عامين أو ثلاثة أعوام سيبني السعوديون بمبادرتهم الخاصة مركزًا يهوديًا كالذي بنته الإمارات العربية المتحدة". بل ويحدد الحاخام المكان والزمان فيقول انه من حسن الحظ أن مدينة نيوم لا تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية، ويأمل الانتقال إلى هناك مع عائلته في سبتمبر القادم.
قد يفهم المرء أن تصمت الرواية الإسرائيلية عن حديث الحاخام فلم تنفه ولم تؤكده، وقد يجد عذرا لغض وسائل الإعلام السعودية الطرف عما جاء في رواية الحاخام الملغمة بالمعلومات والإحداثيات، ولكن السؤال أين رواية الشيخ في الرد على رواية الحاخام، لماذا غابت الرواية الإسلامية المضادة، بينما تتمدد الرواية اليهودية، لا يترك الشيخ شاردة ولا واردة إلا وقد أفتى فيها ولها من الصلح والاستدلال بصلح يهود المدينة والتطبيع والعمليات الاستشهادية وتحريم قتل اليهود في باحة المسجد الأقصى... وجواز هجرة أهل فلسطين- الضفة الغربية إلى بلاد ثانية-...الخ من فتاوي. وغاب عن فتاوي التطبيع منذ العام 1935، والسؤال لماذا هذا الصمت في التصدي لرواية الحاخام. هل غاب الشيخ ليترك الباب مفتوحا للتطبيع الفقهي.
يوما بعد آخر تتمدد الرواية اليهودية يقدمها الحاخامات عن التطبيع وعن دورهم وتغلغلهم، يقفون عند كل التفاصيل الصلوات والطعام والمعابد والأصدقاء واللقاءات والعلاقات، وعودتهم وأطماعهم، لا يخفون شيئا على الإطلاق، في المقابل تغيب رواية الشيوخ وتتلاشى فتاوي تحريم التطبيع وتجريمه، ويغيب خطاب حرمة ارض المسلمين على اليهود. فهل يحل الحاخام محل الشيخ ليقدم روايته؟!.