مما لا شك فيه أن السلطة الدينية المتمثّلة بالحاخامات والمدارس والأحزاب الدينية، ورغم كلّ تعاليمها العنصرية تزداد تأثيراً في الحياة السياسية في «إسرائيل». ولأنها بمثابة «بيضة القبّان» في قيام التحالفات الحكومية، تستطيع فرض شروطها على مطلق حكومة تتشكّل، هذا مع العلم أنها تحقق نتائج أفضل مع كل انتخابات كنيست جديدة، وتؤكد استطلاعات الرأي أن نسبة تأييد هذه الأحزاب في الشارع «الإسرائيلي» ستتجاوز 55%، الأمر الذي يشي بأن تداعيات مستقبلية ستستطيع فرض نفسها على مجمل الصراع العربي «الإسرائيلي». لقد تعلّمنا على مدى سبعة عقود بأن دويلة «إسرائيل» اتخذت المنهج التدريجي في تنفيذ مخططاتها، فإذا كانت اليوم تكتفي ب«أرض فلسطين التاريخية»، فإن احتمال انتقالها إلى المرحلة التالية، تحقيق شعار (دولة «إسرائيل» الكبرى) أكثر من قائم.
نعم، لقد جرى تسليط الأضواء مؤخّراً على حاخام ممن يرتدون القبعات المنسوجة من معهد «أبناء داوود في (مستوطنة) عيلي»، وهو الحاخام اليعيزر كشتئيل رئيس المدرسة الدينية لخريجي الجيش، حول «واجب احتلال أرض» «إسرائيل» «الكاملة».
بالفعل، لقد أصدر الحاخام كشتئيل مؤخراً فتوى تنص على أنه «من المسموح شن الحرب الاختيارية حتى في أيام السبت». وحول سؤال وجّه إليه من مذيعة في القناة العاشرة «الإسرائيلية» ونصّه: «ما هو مصدر السماح بشن الحرب في أيام السبت؟»، أجاب الحاخام: «نحن لسنا في خطر. لا يوجد أحد يهددنا. لا يوجد أحد يهدد أي يهودي. لا أحد يهاجمنا. ولكننا منشغلون بالاحتلال... والاحتلال يلغي قدسية السبت. حماية الروح تلغي قدسية السبت. والاحتلال يلغي قدسية السبت»... واستطرد قائلاً: «ألقي علينا واجب الاحتلال»، ثم يأمر الحاخام مستمعيه قائلاً: «حتى لو لم يطلقوا النار علينا، حتى لو لم يطلقوا علينا رصاصة واحدة، حتى لو أن سكان غزة كانوا طوال الوقت يقدمون لنا الورود فقط مع رسائل محبة ورسومات قلوب، لكان لزاما علينا شن حرب في أيام السبت من أجل احتلال أرض» «إسرائيل» «... هذه بلادنا.. بلادنا المقدسة.. الله وعدنا بهذه البلاد وأمرنا بوراثتها... حتى لو لم يكن هناك أحد يهددنا على الإطلاق في كل المنطقة، وجميعهم كانوا يحبون» «إسرائيل»، «فإن واجب الاحتلال ملقى علينا من واجبنا احتلال أرض» «إسرائيل» «.. هذه أرضنا».
لقد أكّد الحاخام في ذات المقابلة، وكما أوردت نصّها صحيفة «هآرتس»: «أن نقطة الانطلاق ليس بسبب أن الأعداء أشرار فقط، وليس بسبب أنهم يقومون بتهديدنا، ولهذا ليس أمامنا خيار..لا حتى لو لم يكن لدينا خيار، ولم يكونوا يهددوننا على الإطلاق، هذه وصية يجب تنفيذها، واجب مطلق أن نقوم باحتلال أرضنا». ثم يتساءل الحاخام: «ولكن ما هي حدود أرض» «إسرائيل» «التي تعود لنا؟... ويجيب قائلاً: أرض غزة بالتأكيد هي جزء من أرض» «إسرائيل»، «حتى لو لم يطلقوا حتى اليوم أي صاروخ علينا من منطقة الشمال فإنه حسب التوراة، نحن ملزمون بأن نحتل على الأقل حتى بيروت... الله يرمز لنا بأنه يجب علينا الوصول إلى هناك. نعم.. هناك ميراث آشر الذي ينتظرنا.. إن أساس هدف الدولة.. أساس قيمة الجيش هو في كونه جيش احتلال».
وأضاف: «بعون الله وقريباً سيأتي إلى هنا ملايين المهاجرين الجدد، وليس بعيداً اليوم، الذي سيصل فيه الاكتظاظ هنا إلى درجة كبيرة ويبلغ السيل الزبى، ولن يكون أمامنا خيار سوى طرد الغرباء - سنحتاج إلى قليل من التوسع هنا، لأنه لن يكون لدينا مكان كاف لسكن أصحاب الأرض».
قبل شهر تقريباً دعا الحاخام يتسهار دافيدوفيتش إلى إبادة الفلسطينيين كشعب، وهو كان قد صرّح: «إننا أصحاب البيت هنا، لا يوجد محمد.. هذه أمة تعيش على حد السيف مقابل أمة تقدّم الخيرات للعالم.. هم ليسوا شركاء في هذه البلاد بل هم غرباء تماماً.. نحن الذين عدنا إلى البيت بعدل ورحمة. يحق لنا أن نقوم بإبادة هذه الأمة القاتلة». نسوق ما قاله الحاخامان لمن يتصورون أن مشروع (دولة «إسرائيل» الكبرى) قد انتهى، وللذين يراهنون على السلام مع هؤلاء؟