متابعة تطورات الحدث الفلسطيني الداخلي، منذ توقيع اتفاق الشاطئ، الشهر الماضي، تؤكد أن تأجيل تشكيل الحكومة كل هذا الوقت، لا يعود لأسباب تتعلق بخلاف ما، بشأنها بين فتح وحماس، ذلك أن كل ما جاء من تصريحات، ومن إجراءات بعد اتفاق الشاطئ، يشير إلى أن ثمة إرادة فلسطينية كافية لإطلاق قطار المصالحة من محطته الأولى.
حتى الآن لم تظهر أية عقبات، يمكن الحديث عنها، لا بشأن رئيس الحكومة الذي تم الاتفاق على أن يكون الدكتور رامي الحمد الله، خلافاً لإعلان الدوحة ولا بشأن عدد وأسماء الوزراء، والمعايير التي تضبط الترشيحات للوزارة. يتأكد المتابعون من أن حركة حماس، ليست بصدد التوقف عند مشكلة تتعلق بالمرشحين للوزارة، يمكن أن تؤدي إلى تعطيل أو تأخير إعلان تشكيلها، ما يعني أنها، أي حماس، تبدي تساهلاً إزاء هذا الأمر، بعكس ما كان يمكن أن يحصل في جولات خيبات الأمل السابقة.
على ذلك، أعتقد أنه كان بالإمكان، الاتفاق على تشكيل الحكومة وإعلانها خلال يوم أو يومين، بعد إعلان الشاطئ، ما يعني أن التأخير له أسبابه التي لا تتعلق بوجود خلافات بين الحركتين، وإنما بالحاجة لامتصاص ردود الفعل الخارجية المعاكسة، وللوقوف على ردود الفعل الإقليمية والدولية من المصالحة. خلال هذه الفترة، اتضح موقف الاتحاد الأوروبي، الإيجابي والداعم لاتفاق المصالحة، وعلى نحو أقل إيجابية موقف الولايات المتحدة، فضلاً عن المواقف الإيجابية التي صدرت عن الدول العربية والإقليمية.
لا تملك أية جهة الحق، في معارضة، أو التعرض، لقرار فلسطيني يسعى من أجل توحيد المؤسسة الفلسطينية، ودمج كل القوى فيها، على الأسس التي تراعي التزامات هذه المؤسسة تجاه المحيط الخارجي، ولتهيئة العامل الفلسطيني الداخلي للتعامل مع الموقف الدولي الذي يتحد حول رؤية الدولتين. هي "إسرائيل" وحدها، معزولة، تقف ضد هذا التوجه الفلسطيني، فإن كانت المفاوضات قد كشفت مسؤولية "إسرائيل" عن إفشال هذه المفاوضات، فإن موقفها الرافض للمصالحة الفلسطينية يشكل اختباراً آخر، لتأكيد رفضها "للسلام" القائم على "رؤية الدولتين". بعد المصالحة، ارتفعت حمى التطرف الإسرائيلي، حيث هدد أكثر من وزير، وعلى رأسهم رئيسهم بنيامين نتنياهو، بالإقدام على خطوات أحادية الجانب، يمكن أن تتخذ طابع انسحاب من الأراضي المصنفة (ج) في الضفة، أو ضم بعض الكتل الاستيطانية مقدماً، أو في اتجاه خطوات أمنية عسكرية إزاء منطقة الأغوار.
عزلة "إسرائيل" هي التي تقيد حكومتها عن اتخاذ إجراءات قاسية أو أحادية، أو عقابية بحق السلطة الفلسطينية ذلك أن حكومة نتنياهو لا تجد نصيراً واحداً في العالم بما في ذلك الولايات المتحدة، لأية خطوات تتخذها في هذا السياق، ما يعني أن عملية المصالحة استحقت وحققت الشرعية الكاملة. تحقيق مثل هذه الشرعية كان يتطلب بعض الوقت، ولكن توفر الغطاء العربي الضامن والحامي، كان هو الآخر، عاملاً يستحق الانتظار. نتحدث عن مصر، ودورها، الذي لا معنى للمصالحة، بدونها، وهو ما يؤكد عليه الطرفان (فتح وحماس) كل الوقت، ولذلك، فإن من المنطقي أن يتزامن إعلان التشكيل الحكومي، مع ظهور النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية المصرية. إذا تعين على أي مراقب أن يسمي أطراف المصالحة الأساسية، فإنه سيضع مصر، على قدم المساواة ربما مع حركتي حماس وفتح، وكان ينبغي أن يكون الضلع الرابع لهذه المصالحة، الفصائل والقوى السياسية والمجتمعية الفلسطينية بين طرفي الانقسام فتح وحماس.
كما يتضح من مجريات الحوار والمصالحة، تستطيع حركتا فتح وحماس تجاهل الضلع الرابع، والتعامل معه، كشاهد زور، ومساواته بالصحافيين الذين تتم دعوتهم للمؤتمرات الصحافية مع الاحتفاظ لهم بحق الأسبقية، ولكن لا يمكن، ولا يفيد التعامل مع مصر، على أساس أنها عامل ثانوي يمكن تجاهله أو القفز عنه.
الفصائل لا شأن لها بمشاورات تشكيل الحكومة، ولا يعني سؤال أي منها عن رأيه، انه أصبح في موقع الشريك الذي يحق له التداول بالأسماء اعتراضاً أو قبولاً، بل إن البعض يعتقد بأن الرئيس محمود عباس هو صاحب الولاية الحصرية، في اتخاذ القرار النهائي بشأن تركيبة الحكومة وأسماء الوزراء. هذا يعني أن اتفاق وفدي حماس وفتح على كل الأسماء المرشحة أو بعضها، لا يلزم الرئيس، الذي يمكن أن يقبل كل الترشيحات أو يرفض بعضها، بدون أن يتوقع، ردود فعل ترقى إلى مستوى الاعتراض على التشكيل الحكومي بالقدر الذي يؤثر على استمرار المصالحة.
في هذا المقام، لا بد أن يدرك الفلسطينيون خصوصاً سكان قطاع غزة، بأن تشكيل وإعلان الحكومة، هو مجرد الخطوة الأولى نحو تدشين مرحلة المصالحة وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، ولكنها أيضاً الخطوة الأولى نحو فتح الملفات الشائكة والصعبة، التي فرضت وقائعها مرحلة الانقسام.
يعني ذلك أن تبدل واقع الحال نحو معالجة الأزمات التي يعاني منها الناس لن يكون سريعاً من حصار وفقر وبطالة، وإغلاق المعابر، وأزمة الكهرباء والوقود، ونقص المواد الأساسية. يترتب على المواطن الفلسطيني أن يصمد وأن يتحمل، وأن يتكبد المزيد من العناء، إلى أن تتبدل الظروف، وأن يقبل طواعية أو رغماً عنه، مواصلة دفع ثمن المصالحة كما سبق له أن دفع ثمن الانقسام، انطلاقاً من مفهوم المصلحة الوطنية كما تصيغها وتقدمها، القوى السياسية المسيطرة.
وجرياً وراء المقولة المصرية المعروفة دخول الحمّام ليس كما الخروج منه، فإن ما ترتب خلال سنوات الانقسام، يؤسس للثمن الذي نتوقع أن نحصل عليه، ما يعني أن معبر رفح قد لا يفتح في اليوم التالي أو الذي يليه وان الحصار قد يتشدد أكثر، والبطالة أضحت مرضاً مزمناً.. ولذلك علينا أن لا نفرط في التفاؤل، حتى وإن كانت المصالحة أمراً حقيقياً.