Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

انتخابات زمن العبث

وكالات

يمكننا من الآن توقع ما ستتمخض عنه انتخابات السلطة الفلسطينية الموعودة – الرئاسية منها والتشريعية – بدقة لا تقل عن 99.99 بالمائة.

فالنتائج التي تكاد تكون يقينية ستفضي إلى ما يلي:

أولاً: سيعاد انتخاب محمود عباس رئيساً للسلطة، سواء كان مرشحاً وحيداً أم سُمح لأحد بمنافسته من باب التجميل والتزيين.

ثانياً: سوف يفوز بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي شخصيات موالية لرئيسها محمود عباس، ولسوف يسمح لحركة حماس بتواجد رمزي يضفي على المجلس التشريعي نوعاً من المصداقية الظاهرية وما يكفي من الشرعية.

إذن، فما الفائدة من الانتخابات، ولماذا وافقت حماس على المشاركة فيها؟

أوليس ممكناً تحقيق مستوى معقول من الوفاق والتعاون بين سلطة رام الله وسلطة غزة لتخفيف معاناة الفلسطينيين سواء كانوا تحت الاحتلال أو كانوا تحت الحصار دون استعراض انتخابي نتائجه محسومة سلفاً ولن تتغير بسببه كثير من الوجوه؟

بلى، بكل تأكيد. ولكن، لا سلطة رام الله لديها الإرادة ولا سلطة غزة لديها القدرة على رفع المعاناة عن الفلسطينيين، لأن الأولى مرهونة لسلطة الاحتلال التي أوجدتها ولا تملك من أمرها إلا ما تغدق به على طبقة المنتفعين من الاحتلال لديها، بينما الثانية محصورة في معتقل غزة الكبير تحاصر داخله من كل الجهات، ولا يُسمح بالدخول إلى قطاعها ذاك إلا ما يبقي الناس على قيد الحياة في حالة من القهر والحرمان والترقب.

بمعنى آخر، هذه الانتخابات الموعودة لا ناقة للمواطن الفلسطيني فيها ولا جمل، وليس متوقعاً أن تفضي إلى تحسين وضعه قيد أنملة، على الأقل ليس في المستقبل المنظور

إنها انتخابات زمن العبث، الذي اقتربت فيه قضية فلسطين من القعر، وقد تسابق العربان من كل حدب وصوب إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني وإبرام التحالفات والشراكات معه في كافة المجالات – الاقتصاد والسياسة والأمن وحتى العسكر. إذا كان هناك من لا يستغرب أن تتصهين النخب الحاكمة في البحرين والإمارات، فمن ذا الذي كان يخطر بباله أن يتحول واحد من أهم حلفاء حماس في المنطقة، نظام السودان، إلى حليف للصهاينة؟ أو من كان يخطر بباله أن ينخرط حزب سياسي يحكم المغرب، ولو بالاسم، في مشروع تطبيع مع الصهاينة بحجة رد الجميل للرئيس الأمريكي السابق ترامب لأنه تفضل عليهم؟

تجري الاستعدادات لإجراء انتخابات فلسطينية في زمن من العبث، لا تملك فيه لا سلطة رام الله – بقيادة عباس – الشجاعة والكرامة لأن تعترف بأن أوسلو كانت خطيئة وورطة، وأنه لا مفر من إعلان التحلل والتبرؤ منها لاستنقاذ القضية واستئناف النضال من أجل الحرية والكرامة، ولا سلطة غزة – بقيادة حماس – تملك الشجاعة والحرية لأن تتبرأ من سلطة التنسيق الأمني في رام الله التي لا تزيد عن كونها أداة من أدوات الاحتلال الذي يسوم الناس في الضفة وفي القطاع عذاباً.

يمكنني بدقة تصور ما يجول بخاطر جماعة رام الله، فالانتخابات بالنسبة لهم حقنة منشطة أو حتى عملية إنعاش، وربما استعداد لاستئناف المسار التفاوضي العقيم مع الصهاينة في عهد إدارة أمريكية جديدة. لكني عاجز عن تصور بم يفكر قادة حماس. ولم أر حتى الآن تفسيراً مقنعاً لأي من مسؤوليها يبرر ما وافقوا عليه من مشاركة في الانتخابات. ولكنني بما أعرفه، وهو لا شك محدود، أفترض أن الحركة تمر بضائقة غير مسبوقة، حتى بات ينطبق عليها المثل الشعبي الذي يقول "ما الذي رماك على المر إلا الذي أمر منه". وهذا ليس تبريراً بحال، بل هو توصيف لواقع بالغ السوء.

ربما ما يعقد المسألة بالنسبة لحماس أنها، ومنذ أن قرر الاحتلال الانسحاب من غزة بشكل أحادي قبل ما يقرب من خمسة عشر عاماً، هي السلطة التي تدير القطاع المحاصر وتتحمل المسؤولية عما يزيد عن مليوني فلسطيني يعيشون فيه قيد العقاب، فلسطينياً وعربياً ودولياً. ولعل هذا ما يجعل بعضاً من منتقدي حماس من المشفقين عليها وعلى القضية يخلصون إلى أنها أخطأت عندما وافقت ابتداءً في عام 2006 على المشاركة في الانتخابات التي فازت بها فتورطت، حسبما يرون، وانتهى بها المطاف لأن تتحول من حركة مقاومة تؤلم كثيراً وتألم إلى سلطة تألم ولا تؤلم إلا قليلاً.

شخصياً لست متفقاً تماماً مع هذا النقد، لأنني أرى أن سياق الأحداث في 2006 كان يحتم على حماس المشاركة، ولم تكن لديها خيارات أخرى، فكان ذلك في حينه اجتهاداً في محله لحسابات كانت حينها معقولة ومكاسب كانت حينها محتملة.

أما الآن، فلا أدري حقيقة ما هي حسابات قادة حماس فيما يبدو أنه مشهد عبثي للغاية. هل هو من ضرب اللعب في الوقت الضائع رجاء أن تأتي الأيام بمتغير قد لا يكون الآن في الحسبان؟ ربما.

في كل الأحوال، وأياً كانت المبررات، يمكننا القول إن قيادة حركة حماس أخفقت مرات عديدة منذ عام 2006 في إقناع كثير من الفلسطينيين بجدوى ما اتخذته من قرارات ومواقف، من وثيقة الأسرى إلى الوثيقة السياسية. يمكنني الجزم بأن كثيراً من هذه القرارات والمواقف لم تكن عن قناعة بقدر ما كانت عن كراهة.