سؤولون أمنيون إسرائيليون أشادوا بورقة أكاديمية صاغها أربعة من أبرز الخبراء الصهاينة في عدد من "جامعات النخبة الصهيونية"، أوصت بالقضاء على حكم حماس في غزة وإعادة تشكيل المجتمع الغزاوي ليكون "مجتمعاً إسلامياً معتدلاً".
كشف كاتب إسرائيلي مخططاً إسرائيلياً لحكم غزة بالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة، وذلك بعد نهاية العدوان الإسرائيلي على غزة.
وفي مقابلة له مع إحدى القنوات الإسرائيلية، كشف يانيف كوغان، وهو كاتب مقيم في "تل أبيب"، أطلق مؤخراً كتاب "طوفان: غزة وإسرائيل من الأزمة إلى الكارثة"، الذي نشرته دار أو آر للكتب، أنّ "إسرائيل تراجع مقترحاً لإقامة نظام "مسلم معتدل" في غزة.
وتدعو الخطة، التي وصفها المسؤولون الإسرائيليون بـ"الرائعة"، إلى إعادة تثقيف وتشكيل وعي الفلسطينيين، بالتزامن مع تدمير الأونروا، وإزالة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين عن الخريطة في غزة لإعادة بناء القطاع وفقاً لنظام تخطيط مدني يسهل السيطرة عليه من قبل سلطات الاحتلال من دون الحاجة إلى وجود الجنود على الأرض، وهذا هو أحد أسباب التدمير الممنهج لكل المباني والمجمعات السكنية المتزامنة مع المجازر الإسرائيلية، وخصوصاً في مخيمات اللاجئين في غزة.
مجتمع غزاوي "معتدل"
وقد أشاد مسؤولون أمنيون إسرائيليون بورقة أكاديمية من 28 صفحة صاغها أربعة من أبرز الدكاترة والخبراء الصهاينة في عدد من "جامعات النخبة الصهيونية"، أوصت بالقضاء على حكم حركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة وإعادة تشكيل للمجتمع الغزاوي ليكون "مجتمعاً اسلامياً معتدلاً"، على غرار دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وفقاً لما جاء في التقرير.
وتتضمن الخطة هدم مخيمات اللاجئين وحظر "كل الكتب المدرسية الموجودة" وفرض سيطرة كاملة على وسائل الإعلام، بالتوازي مع إلغاء دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وإغلاق البرامج الاجتماعية والإنسانية التي تديرها حماس واستبدالها بهيئات اجتماعية بديلة تحت غطاء منظمات مجتمع مدني ومنظمات غير حكومية تكون السيطرة فيها لـ"إسرائيل".
وقد أشاد رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هانغبي صراحة في مقابلة تلفزيونية بالوثيقة الأكاديمية، وأكّد تبنيها من قبل صناع القرار في الحكومة الصهيونية. وتأتي هذه الخطة بديلاً من الاحتلال العسكري الإسرائيلي المباشر للقطاع، والذي قد يكون مكلفاً كثيراً مادياً وبشرياً بالنسبة إلى قوات الاحتلال.
كما أن هذه الخطة تأتي بديلاً من دعوات المتطرفين الصهاينة، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الذين يطالبون بترحيل الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء أو حتى شمال قبرص، والتي تسبب توترات مع كل من القاهرة من جهة ونيقوسيا من جهة أخرى.
وكان للوثيقة التي صدرت بعنوان "من نظام قاتل إلى مجتمع معتدل" تأثير كبير في أروقة السلطة في الكيان الصهيوني، كما تم الترحيب به من قبل صناع القرار في الولايات المتحدة الأميركية، من ضمنهم أحد أركان فريق المحافظين الجدد، وهو دان سينور، الذي سبق أن كان المتحدث السابق باسم نظام الاحتلال العسكري الأميركي في العراق.
وأكّد سينور الذي تولى مهمة "اجتثاث البعث في العراق" عندما كان مستشاراً للحاكم العسكري للعراق بول بريمر أن الجهد الذي بذل من أجل صياغة الورقة الأكاديمية كان غير عادي، وأنه لاقى صدى إيجابياً لدى العديد من أركان النخبة السياسية الأميركية.
وقد تم توزيع الورقة على كبار المسؤولين في مؤسسة الأمن القومي الإسرائيلي، بما في ذلك الموظفون في مجلس الأمن القومي والمستويات العليا في الجيش "الإسرائيلي" ووكالة المخابرات الشاباك، بدءاً من شباط/فبراير 2024، لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية لم تنشر أي خبر عنها حتى شهر حزيران/يونيو 2024.
إعادة هيكلة كاملة للمجتمع
وأوضح داني أورباخ، وهو أستاذ في الجامعة العبرية في القدس وأحد الأكاديميين الأربعة الذين صاغوا الوثيقة، أن البحث في الخطة بقي محصوراً في نطاق ضيق، لأنهم كانوا ينتظرون تعليقات المسؤولين وتعديلاتهم المقترحة على الخطة قبل الإعلان عنها بصيغتها النهائية.
وقد استندت الوثيقة إلى القراءة في تجارب إعادة صياغة أنظمة أربع دول بعد تعرضها للهزيمة لضمان عدم قيام أنظمة معادية للغرب. هذه الدول هي اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وأفغانستان والعراق بعد احتلالهما من قبل الولايات المتحدة في العامين 2002 و2003.
يزعم الأكاديميون الأربعة أن النظام الاجتماعي قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر سهّل ظهور "بنية اجتماعية سياسية استطاعت حماس أن تستفيد منها لتراكم من خلالها عناصر قوتها".
ويرى أكاديمي ثانٍ شارك في إعداد الوثيقة، وهو الدكتور هاريل حوريف من جامعة "تل أبيب"، أن تدمير "إسرائيل" لغزة كان عاملاً إيجابياً لتحقيق هدف القضاء على حماس، معتبراً أن هذا التدمير المنهجي للقطاع من شأنه أن يظهر جلياً أمام الرأي العام الفلسطيني أن "حماس لم تحقق النصر، بل تسببت بكارثة مروعة على السكان المدنيين"، بما يجعلهم ينقلبون عليها ويبدون استعدادهم للتعاون مع أي نظام يقوم في المستقبل في غزة على أنقاض حكم حماس.
هذا القول للأكاديمي الإسرائيلي يجد صداه في تصريحات القادة الميدانيين الإسرائيليين لتبرير جرائمهم ضد المدنيين في قطاع غزة، إذ يصرح هؤلاء أن الدمار في غزة يخدم الهدف المتمثل بالقضاء على حماس عبر تأليب السكان المدنيين ضدها، إذ إن هؤلاء المدنيين "سيلقون باللوم على حماس في مقتل أحبتهم وتدمير منازلهم".
ويرى مشارك آخر في صياغة الوثيقة، وهو ناثانيال بالمر من جامعة بار إيلان، أنّ الضرر الذي جلبته الحرب على السكان الفلسطينيين ككل يعد بمنزلة عامل إيجابي يساهم في تحديد من يجب عليه أن يشعر بالهزيمة، أهي حركة حماس أم المواطن الفلسطيني العادي، مشدداً على أنه يجب أن يكون "الفلسطينيون العاديون هم من يشعرون بالهزيمة".
هدم المخيمات أساس نجاح الخطة
وتركز الوثيقة على أنه يجب هدم مخيمات اللاجئين واستبدالها بمساكن "منظمة"، وفقاً لمخطط تضعه "إسرائيل". وبالنسبة إلى الوثيقة، فإن المخيمات تشكل جزءاً كبيراً من القاعدة الاجتماعية لحماس.
لذا، إن الوثيقة توصي بتدمير البنية التحتية لمخيمات اللاجئين وتسويتها بالأرض وبناء أحياء منظمة بدلاً منها تضمن ظروفاً معيشية مناسبة، لتعود إليها العائلات الفلسطينية".
كذلك، تركز الوثيقة على فرض نظام رقابي على النظام التعليمي والبث الإعلامي والحركات الشبابية وإقالة "المعلمين المتطرفين بشكل خاص"، فضلاً عن فرض حظر فوري على "كل كتاب مدرسي مستخدم حالياً"، وتقترح استبداله بكتب مدرسية بديلة تعتمد على المناهج المستخدمة في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وتقترح الورقة أيضاً فرض نظام رقابي على البث الإعلامي ومؤسسات التعليم العالي والحركات الشبابية، على أن يتم تشكيل اللجان المشرفة على الرقابة من قبل "فلسطينيين معتدلين"، حتى لا يُنظر إليها على أنها ذراع للاحتلال الإسرائيلي.
كذلك، تقترح الوثيقة توزيع مواد على الفلسطينيين في غزة حول "التاريخ والثقافة الإسرائيلية" تهدف إلى "تنمية التعاطف وتشجيع السلام والتسامح".
وتدعو الوثيقة إلى إقامة حكومة محلية في غزة تحت تهديد الاحتلال الإسرائيلي المتواصل، على أن يتولى الإدارة المحلية مجموعة من الزعماء المحليين الخاضعين للأجندة الإسرائيلية، على أن تنتشر قوات ردع عربية في القطاع للمساعدة على حفظ الأمن، على أن يتم تهديد الحكومة المحلية بشكل متواصل بترحيل الفلسطينيين من القطاع إذا خالفوا الشروط المفروضة عليهم وفقاً للوثيقة.
ضرورة تدمير الأنروا
وحتى تكون السلطة المحلية تحت الرحمة الكاملة للاحتلال الإسرائيلي، فإن الوثيقة توصي بإخراج الأنروا من غزة، لأنها تسعى منذ العام 1949 لمساعدة الفلسطينيين على البقاء في أرضهم عبر رعايتها البرامج الإنسانية والتعليمية في غزة.
هذا يفسر لماذا دأبت "إسرائيل" على اتهام الأنروا بالتبعية لحماس، ولماذا ثابرت على قصف منشآتها وقتل موظفيها، إضافة إلى إقناعها الولايات المتحدة والقوى الغربية الكبرى الأخرى بتعليق تمويل الأنروا بذريعة أن موظفيها شاركوا في الهجوم الذي شنته حماس ضد المستوطنات والقوعد الصهيونية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2024.
ويرى مؤلفو الوثيقة أن الأنروا تستخدم مدارسها لنشر "التعليم الإرهابي"، وأنها تنشر تقارير تحرف المعطيات حول ظروف الحياة في غزة والأراضي المحتلة، بما يسيء إلى صورة "إسرائيل" في العالم.
أما البديل بالنسبة إلى "إسرائيل"، فيكمن، وفقاً للوثيقة، في إنشاء منظمات مجتمع مدني ممولة من هيئات دولية بإشراف إسرائيلي غير مباشر تجعل سلطات الاحتلال تسيطر مباشرة على كل تفصيل من تفاصيل حياة الفلسطينيين، بما يجعلهم غير قادرين على القيام بأي مبادرة لزعزعة قبضة الاحتلال "الناعم" عليهم.
لكن يبقى هناك عامل رئيسي يمنع "إسرائيل" من الأخذ بتوصيات الوثيقة "الأكاديمية" التي بُذل فيها جهد هائل. هذا العامل يتمثل في أنه إذا كان الأكاديميون الأربعة قد استندوا إلى تجارب دول مثل اليابان وألمانيا، ففي جميع الحالات السابقة، فإن عملية إعادة صياغة بنية مجتمع ونظام حكم كانت قد حصلت بعد هزيمة الدول هذه، ولكن في حالة غزة لا تزال المقاومة الفلسطينية صامدة وتحقق الانتصارات، ما يجعل من المستحيل تطبيق الخطة.