Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الانتخابات الفلسطينية.. هكذا يستمر العبث بالشعب والقضية

وكالات

أعلن الرئيس الفلسطيني عن انتخابات تشريعية ورئاسية غير متزامنة، يتبعها استكمال المجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير الفلسطينية)، كنتيجة لتوافقات حركتي حماس وفتح التي تلت الأحداث العصيبة في العام السابق، وأهمها اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، وإعلان صفقة القرن، والهرولة العربية الرسمية نحو التطبيع.

من ناحية الشكل، وفي الأوضاع الطبيعية، فإن إعلان الانتخابات عند استحقاقها يعتبر أمرا جيدا ومحمودا. ولكن هل هو كذلك في الحالة الفلسطينية؟ أم أنه مجرد استمرار للعبث بالشعب الفلسطيني وقضيته؟

انتخابات تحت الاحتلال

إذا كانت حركة فتح تستحق العذر عندما بدأت أوسلو عام 1993 لأن الرئيس الراحل ياسر عرفات كان يحلم ويعتقد أن هذا المسار سيؤدي إلى الوصول لدولة فلسطينية مستقلة على حدود حزيران 1967، فإن استمرارها اليوم بعد كل ما جرى خلال السنوات السبع والعشرين الماضية هو خطيئة سياسية لا تحتاج إلى دليل.

وإذا كانت حركة حماس معذورة لمشاركتها في انتخابات السلطة عام 2006 لأنها كانت تحلم أو تعتقد أنها يمكن أن تغير مسار السلطة وتدعم الإصلاح الداخلي، وتعيد بوصلة النضال الفلسطيني من داخل السلطة، فإن مشاركتها اليوم بالانتخابات مجددا بعد كل ما كشفته السنوات الأربع عشرة الماضية هي خطيئة سياسية لا تحتاج لدليل، تماما مثل خطيئة استمرار فتح بمسار أوسلو.

جربت المنطقة العربية الانتخابات تحت الاحتلال أولا في العراق، وكانت النتيجة عملية سياسية مسخا، قائمة على الطائفية، قادت فيما بعد لحرب أهلية مدمرة، لا يزال العراق يعاني منها حتى اليوم. ثم جرب الفلسطينيون الانتخابات تحت الاحتلال، وكانت النتيجة حصارا مطبقا على قطاع غزة، وصراعا داخليا بدأ سياسيا ثم تحول للاقتتال بالسلاح عامي 2006 و2007، وانقسام لا يزال مستمرا حتى اليوم.

فهل لا يزال ثمة من يعتقد أن الانتخابات يمكن أن تنجح تحت قوة القهر والاحتلال؟ كان الطرح قبل عام 2006 لرافضي هذه الانتخابات يقوم على أفكار نظرية من قبيل تحكم الاحتلال بمن يرشح نفسه وبمن يستمر في عمله النيابي عن طريق الاعتقالات، وهو ما حدث فعلا ويحدث كل يوم، ومن قبيل أن الاحتلال يمسك بقوانين المعادلة والتأثير كاملة من خلال التحكم بالأمن والاقتصاد والحدود والسيادة وحتى بالسياسة من خلال نفوذه وعلاقاته الدولية.

لم تعد هذه الطروحات نظرية اليوم، فقد أثبتت التجربة صحتها، وأكدت أنه لا يمكن للانتخابات أن تنجح تحت الاحتلال، وأنه لا يمكن لسلطة أن تعمل لصالح شعبها الخاضع إذا كانت مرتبطة عضويا بالاحتلال، وأنه لا يمكن لوهم الجمع بين السلطة تحت الاحتلال والمقاومة أن ينجح. 

لم تنجح كل اتفاقات المصالحة التي عقدت بين حماس وفتح، أو تلك التي تمت بمظلة فصائلية شاملة، منذ عام 2003، بوضع حل للانقسام الفلسطيني، أو بالتوصل لبرنامج عمل مشترك بين الفصائل، وخاصة بين حركتي فتح وحماس.   

ثمة أسباب تفصيلية كثيرة لهذا الفشل، وهناك اتهامات متبادلة مستمرة بين الأطراف تحمل كل جهة الأخرى مسؤولية الفشل بإنهاء الانقسام. ولكن السبب الحقيقي والأساسي لهذا الفشل يكمن في "غياب السياسة" عن الاتفاقات، وتركيزها على تفصيلات جزئية تتعلق بتوزيع السلطة والوظائف وبحل الإشكالات الناتجة عن الانقسام، وبقوانين الانتخابات.

تصلح هذه القضايا للنقاش في دول مستقرة وديمقراطيات ناجزة، ولكنها لا تصلح لحل إشكالات وصراعات داخلية بين حركتي تحرر وطني لشعب يقع تحت الاحتلال.

ويمثل هذا الحل المزعوم للمأزق الفلسطيني عبثا مركبا، فمن جهة هو لم يحل أصل الأزمة وهي غياب مشروع وطني لمقاومة الاحتلال واستمرار الاشتباك معه كأي شعب محتل، ومن جهة أخرى فإنه يشوه فكرة الشرعية، فمنذ متى كانت شرعية حركات التحرر الوطني تقاس فقط بالانتخابات؟

وبالعودة لكل اتفاقات المصالحة خلال العقدين الماضيين، فإن حركتي حماس وفتح فشلتا في الاتفاق على البرنامج السياسي أو المقاوم. كان كل شيء حاضرا في هذه الاتفاقات باستثناء "الاحتلال"، وكأن المأزق الفلسطيني وجد في الفراغ، وكأن الاحتلال ليس المسؤول الأول والأخير عنه!

نستدرك هنا استدراكا تاريخيا ضروريا، وهو أن اتفاقا واحدا بين الفصائل الفلسطينية دخل إلى عمق الأزمة، ولكنه أفشل في مهده، مع أنه قدم استراتيجية وطنية وبرنامجا وطنيا للتعامل مع الاحتلال، سواء اتفقنا معه أو اختلفنا، وهو اتفاق الأسرى الذي تحول فيما بعد لوثيقة الوفاق الوطني عام 2006. كان يمكن لهذا الاتفاق أن ينجح، ولكنه أصبح جزءا من التاريخ، وللمفارقة فإن أحدا من الفصائل لا يطرحه كمرجعية للنقاش وكأنه لم يكن!

اليوم التالي للانتخابات؟

حينما احتلت الولايات المتحدة العراق، وقف جورج بوش في أول أيار/ مايو 2003 على جسر حاملة الطائرات "يو أس أس أبراهام لينكولن"، وخاطب الجنود بعبارته الشهيرة "المهمة انتهت". ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن ظلت هذه العبارة تلاحق جورج بوش ومن تبعه من رؤساء، وصار كل من ينتقدها يقول إن الولايات المتحدة لم تفكر "باليوم التالي" للاحتلال ولإسقاط حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

لنأخذ جميع السيناريوهات الممكنة: السيناريو الأول هو أن تفوز حركة حماس، وفي هذه الحالة فإن الوضع لن يتغير، وسيبقى المشروع الوطني في مأزق، وسيستمر الحصار، ولن تتحول فتح فجأة لحركة ديمقراطية مستعدة للتخلي عن السلطة (أي سلطة؟!)، وسيحصل التضارب بين الحكومة التي تقودها حماس وبين البيروقراطية الفتحاوية في الضفة الغربية، وسيعتقل الاحتلال وزراء ونواب حماس.

أما السيناريو الثاني، فهو فوز حركة فتح، وهنا سيحصل التناقض في غزة وليس في الضفة، وستواجه حكومة فتح في غزة بيروقراطية حكومة حماس الحالية، وستبرز مشكلة رواتب موظفي غزة الذين عينتهم حكومة حماس وهل ستعتبرهم فتح شرعيين أم لا، وسيظهر السؤال عن موظفي حركة فتح الذين تركوا أعمالهم بطلب من الرئيس عباس بعد الانقسام، وسيرى الجميع "الفيل الذي في الغرفة" الذي كانوا يتعامون عنه عند إقرار الانتخابات، وهو السؤال عن مصير أسلحة حماس، وهل ستقبل الحركة بالتخلي عنها؟ أو هل ستقبل فتح بقيادة حكومة لا تسيطر على السلاح في غزة؟

السيناريو الثالث، وهو المرجح برأينا، وهو ظهور برلمان يتوزع على ثلاث قوى بنسب معينة، وهي فتح، حماس، وتيار دحلان. في هذه الحالة سيكون دحلان هو "صانع الملوك"، أو "بيضة القبان" الذي سيحدد الحكومة القادمة وسيفرض شروطه عليها، والأهم أنه سيدخل للعملية السياسية عبر شرعية الانتخاب، بعد أن فقد هذه الشرعية وأقصي من العملية السياسية في أعقاب محاولته الانقلاب على الحكومة المنتخبة عام 2006، وكانت نتيجة إقصائه كما ظهر فيما بعد في مصلحة الرئيس عباس وتياره في فتح أكثر مما هو في مصلحة حماس!

سيقول البعض وما الحل؟ والإجابة على هذا التساؤل تحتاج لدراسة معمقة من كل الفصائل الفلسطينية ومن كل المهتمين من مثقفين وسياسيين وباحثين، ولكنه حل لا يمكن أن يكون داخل شرنقة أوسلو، ولا يمكن أن يكون إلا بالتمرد على المسار الذي أدخل كل المشروع الوطني في مأزق أوسلو الكارثي. سيكون هذا التمرد مكلفا بلا شك، ولكن هذا هو قدر الشعب الفلسطيني الذي يقبع تحت الاحتلال، كما أن المسار الحالي لا يقل كلفة على الشعب والأرض والقضية.

هذه الخيارات الثلاثة، تظهر أن من اعتقدوا أن الانتخابات ستكون حلا للمأزق الفلسطيني لم يدرسوا فعلا "اليوم التالي" للانتخابات، وهو يوم سيدفع الفلسطينيون جميعهم ثمنه، وسيكون الخاسر الأكبر فيه ما تبقى من مشروع التحرر الوطني، وستثبت الأيام بكل أسف أنه تعقيد للأزمة بدلا من أن يكون حلال لها.