بقلم: هيثم أبو الغزلان
أدّت نتائج الانتخابات سنة 2006، التي فازت فيها حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي وما تلاها من أحداث إلى الانقسام الممتد إلى وقتنا الحالي. ورغم الحوارات العديدة والمتكرّرة بين حركتي فتح وحماس، والتي كانت برعاية عدد من الدول العربية، والتوقيع على العديد من الاتفاقات (القاهرة، مكة...) إلا أن الانقسام لم يجد طريقه إلى الحل. ومع بداية العام المنصرم، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خطته التي عُرفت بـ"صفقة القرن" تعهّد خلالها بأن تظل القدس عاصمة مُوَحّدة لـ"إسرائيل"، ووصف الخطة بأنّها "الفرصة الأخيرة" للفلسطينيين. لكن هذه الخطّة التي رفضها الشعب الفلسطيني كان رفضها سببًا في توحيده. وتجلّى ذلك في لقاء الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية (بيروت – رام الله 3-9-2020)، وكانت مخرجاته: الاتفاق على قيادة وطنية ميدانية، والاتفاق على تشكيل آلية فعّالة لتحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام، وإعادة إنجاز رؤية متفق عليها وتطبيقها لتوحيد الشعب الفلسطيني في منظمة التحرير دون تفرّد أو إقصاء.
تبع ذلك لقاءات بين حركتي حماس وفتح واتصالات أسفرت عن اتفاق على إجراء انتخابات تشريعية، ورئاسية، والمجلس الوطني، بشكلٍ متتالٍ بعد موافقة حركة حماس وتخلّيها عن شرطها بأن تكون متزامنة. وجرت محاولات عديدة سابقًا لترتيب وإصدار مرسوم الرئاسة بشأن الانتخابات التشريعية والرئاسية لكنّها لم تنجح.
ويبدو أن المتغيّرات العديدة التي حصلت بعد سقوط دونالد ترامب، ونجاح جو بايدن في الانتخابات الأمريكية قد أدّت إلى ارتدادات عديدة في العالم والمنطقة، وبطبيعة الحال كان لها تأثير على الوضع الفلسطيني. وهذا وضع الكثيرين أمام حيثيّات واقع سياسي مستجد جعلهم ينظرون إلى الأمر على أنه مقدّمة في إحداث جملة من الانعطافات في حل قضايا كان يبدو أنّها مستعصية.
وكان لافتًا التوافق "السريع" بين حركتي فتح وحماس على إجراء انتخابات (دون التوافق مع بقية الفصائل المشاركة في لقاء بيروت – رام الله، ممّا قلّص العناوين التي بحثها الأمناء العامون في لقاء بيروت - رام الله)، واستتبع ذلك صدور مرسوم رئاسيّ يُحدّد فيه رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن مواعيد انتخابات المجلس التشريعي (22 أيار/مايو)، والرئاسية (31 تموز/يوليو)، والمجلس الوطني (31 آب/أغسطس).
في المقابل، دعت لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية في قطاع غزة، في بيان لها إلى "تضافر كافة الجهود من أجل إنجاح الحوار الوطني الشامل وتحقيق الوحدة والمصالحة الوطنية والشراكة وإنهاء الانقسام وتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات فلسطينية عامة". وشدّدت على أن "تكون الانتخابات بأفق سياسي يحافظ على المشروع الوطني الفلسطيني باعتبارها معركة وطنية في مواجهة الاحتلال وحق دستوري وقانوني للشعب الفلسطيني في الشتات والضفة الغربية وقطاع غزة والقدس عاصمة دولة فلسطين".
وفي الموازاة لم تنقطع التحركات الداعية إلى "إنهاء الجمود في مفاوضات السلام وإيجاد آفاق سياسية"؛ ففي عمّان حضّ وزراء خارجية الأردن ومصر وفرنسا وألمانيا بالإضافة لممثل الاتحاد الأوروبي للسلام في ختام اجتماعهم، "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية إلى "استئناف مفاوضات جادة" و"الالتزام بالاتفاقيات السابقة".
ويأتي لقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو، مع المبعوث الشخصي للرئيس عباس، وزير الشؤون المدنية، حسين الشيخ، الذي بحث "تطورات الوضع السياسي وسبل تعزيز عملية السلام" في هذا السياق. وأوردت صحيفة (الشرق الأوسط) أن لقاء لافروف والشيخ تضمّن إشارة إلى "تبنّي موسكو لفكرة اجتماع دولي في القاهرة لبحث آليات دفع عملية التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين" إلى الأمام.
وما بين الضغوط الكبيرة والمتواصلة أو الضمانات من بعض الدول العربية وروسيا والاتحاد الأوروبي تبقى فرص إجراء الانتخابات مرتفعة بخاصة مع وجود التوافقات بين حركتي فتح وحماس، وبقاء عوامل الضغط العربية موجودة، والتي تتمظهر بسعي عدد من الدول العربية (السعودية والإمارات والأردن...) إلى استكمال ذلك برؤية موحدة تجاه المفاوضات مع "إسرائيل".
وهذا ما أشار إليه الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، أن "الانتخابات يُراد منها تشكيل حكومة تستكمل المفاوضات التي ماتت منذ سنوات"، مضيفًا: "هم يُخطّطون لذلك وعلينا كفلسطينيين وقوى مقاومة أن نكون على أتم الاستعداد لمواجهة كل التحديات وأن نعمل جميعاً لإفشال ما يُخطّطون له، بصياغة برنامج سياسي مشترك وواضح وملزم، نخوض معركتنا القادمة على أساسه، إن كان عبر الانتخابات، أو أي توافقات أخرى".
أما الخطوات العملية المتّخذة لإنجاح خطوة الانتخابات فتتمثّل عبر اللقاء المرتقب في القاهرة لبحث "بعض الأمور الفنية الضرورية، حتى تكون الانتخابات متكاملة وشفّافة"، بحسب ما أعلن عنه رئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر.
أما لجهة الموقف "الإسرائيلي" فيبدو أنه ينتظر ما ستؤول إليه الأوضاع والتوافقات والتسويات الداخلية الفلسطينية ليكوّن موقفه المُسهّل لإجراء الانتخابات، أو المُعَرقِل لها، بخاصة في القدس المحتلة. وقد عبّر جهاز "الشاباك" عن خشيته من تصاعد التوتّر والمواجهات في الضفة الغربية لعدّة عوامل منها: إجراء الانتخابات العامة.
تُعتبر الانتخابات في ظل وضع طبيعي: وجود دولة، وتمتّع المواطنين بالرفاهية أمرٌ يعبّر عن حسّ المسؤولية والتداول السلمي الصحيح للسلطة. أما في الوضع الفلسطيني الحالي الذي يعيش فيه الفلسطينيون في ظل الاحتلال؛ فمن الطبيعي أن تكون الأولوية هي في مقاومة المحتل.
وبناء عليه، فإن المطلوب هو التوافق على برنامج وطني شامل وملزم، يعيد الاعتبار للمشروع الوطني من خلال الاتفاق على كيفية إدارة الصراع والخروج من عباءة أوسلو؛ وعندئذ تصبح الانتخابات في هذا السياق نتيجة للتوافق، وليس سببًا آخرًا للمزيد من الانقسام.