كتب/ حسن لافي
أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس توقيع مرسوم لإجراء الانتخابات على مستوى المجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني على التوالي. يأتي هذا المرسوم بعد انقطاع دام خمسة عشر عاماً عن الانتخابات الأخيرة، وبعد أربعة عشر عاماً من الانقسام الفلسطيني.
في أي نظام سياسي ديموقراطي تعتبر الانتخابات الطريقة الأفضل في سبيل اختيار الشعب لقيادته التي تتولى زمام الحكم تحت مظلة الدستور الذي تتحرك القيادة المنتخبة دائماً في إطاره.
يحتاج العقل السياسي باستمرار إلى طرح الأسئلة الصحيحة من أجل الوصول إلى مقاربات أكثر مصداقية تخدمه في تشكيل رؤية واضحة عن الموضوع المطروح للنقاش، بعيداً من أي تأثيرات دعائية أو عاطفية.
من هذا المنطلق لا بد أن نطرح عدداً من الأسئلة حول الإعلان عن المراسيم الانتخابية في هذا التوقيت بالتحديد.
أولاً: القضية الفلسطينية ما زالت في مرحلة التحرر الوطني وما زال الشعب الفلسطيني قابع تحت الاحتلال الاستيطاني الزاحف يومياً لاقتلاع كل ما هو فلسطيني من أرضه من أجل تهويدها بشكل قاطع لا رجعة عنه، سواء في الضفة الغربية أو القدس. يجري كل ذلك على مسمع ومرأى من أنظمة التطبيع العربي، التي باتت عاملاً داعماً بطريقة غير مباشرة للمشروع الاستيطاني الصهيوني.
في ظل هذه الظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية هل يُعبّر إجراء انتخابات المجلس التشريعي، ورئاسة السلطة الفلسطينية الناشئة في الأساس عن اتفاق أوسلو، عن المقاربة الفلسطينية الأصوب لمواجهة التهديدات المحيقة في القضية الفلسطينية؟
ثانياً: يحاول البعض تسويق الانتخابات باعتبارها الهدف وليس الوسيلة لتحقيق الهدف، إذ أن تنظيم الانتخابات يجب التعامل معه على أنه وسيلة لإنتاج رافعة للمشروع الوطني التحرري من خلال إعادة الوحدة الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، والاتفاق على برنامج وطني هدفه الأول والأخير تحرير فلسطين كامل فلسطين، وتوحيد كافة الجهود الفلسطينية من أجل مجابهة التهديدات المحدقة بالقضية الفلسطينية، ولا يمكن اعتبار الانتخابات غاية بحد ذاتها، إلا إذا كان الهدف منها إعادة إنتاج مسارات سياسية أثبت التاريخ والجغرافيا فشلها على مدار أكثر من ربع قرن من مسار التسوية، ومحاولة منحها الشرعية الشعبية مجدداً. لذلك يجب السؤال عما إذا كانت الانتخابات هي الطريق الأسلم لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية والاتفاق على برنامج وطني واحد، لا سيما أنها تبدأ من المجلس التشريعي؟
ثالثاً: يدرك الجميع أن توقيت إعلان المراسيم ليس توقيتاً فلسطينياً مستقلاً، حيث مرت استحقاقات فلسطينية كان الشعب الفلسطيني أحوج ما يكون فيها لإعلان تلك المراسيم ولم يتم ذلك.
من الواضح أن هزيمة دونالد ترامب وقدوم الإدارة الأميركية الجديدة تحت قيادة جو بايدن يشكل سبباً أساسياً في اختيار هذا التوقيت، خصوصاً أن هناك إعادة ترتيب للمحور الأميركي في المنطقة استعداداً لملاقاة الإدارة الأميركية الجديدة.
السلطة الفلسطينية في هذا السياق ليست بمعزل عن هذا الاستعداد لاسيما مع حجم الضغوطات الدولية والإقليمية والأميركية على وجه التجديد، من أجل إجراء الانتخابات، الأمر الذي يفتح باب التساؤلات حول طبيعة الأسباب الكامنة وراء ذلك الضغط الدولي والعربي والأميركي لإجراء الانتخابات في هذا التوقيت بالذات؟ وما هي مصلحة الإدارة الأميركية الجديدة من وراء تلك الانتخابات؟ والأهم ما هي الرهانات السياسية المطروحة من قبل المجتمع الدولي والإقليمي على من سيفوز بنتيجة الانتخابات؟ وهل هذه الاستحقاقات ستصب في مواجهة الاحتلال أو على الأقل ستوقف مخططاته الاستيطانية؟ وعلى ماذا سيتمحور الحديث مع الإدارة الأميركية الجديدة؟ هل سيتم إحياء مسار أوسلو القديم من جديد؟ أم سيدور التفاوض على أوسلو بنسخة معدلة من صفقة القرن؟
رابعاً: بعد أربعة عشر عاماً من الانقسام والحصار الكارثي تراكمت الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بالشعب الفلسطيني وخصوصاً في قطاع غزة، لذا يبقى السؤال مشروعاً كيف سيتم تحقيق هذه الاستحقاقات؟ هل سيجري ذلك قبل الانتخابات كتهيئة أجواء لنجاحها؟ أم بعد الانتخابات كضمانة وورقة ضغط على الفائز لتنفيذ الاستحقاقات السياسية؟
رغم كل تلك الأسئلة التي تجعلني متوجساً من الهدف وراء تلك الانتخابات، والفائدة المرجوة من إجرائها في هذا الشكل، إلا أن الانتخابات كأي موضوع في الحياة السياسية لا تخلو من جوانب إيجابية، حيث نعتقد أن الشعب الفلسطيني لديه فرصة حقيقية من خلال الانتخابات لمعاقبة كل من أذنب بحقه وظلمه، بل بات في يد الفلسطينيين القدرة على تحويل صندوق الانتخابات إلى محاكمة علنية لكل القيادات الفلسطينية المترهلة وخياراتها السياسية الانهزامية.