وكالات
د. عبد الستار قاسم
يتعرض الكيان الصهيوني لإحباطات متتالية سياسية واجتماعية وأمنية وعسكرية ستدفعه بالتأكيد نحو مراجعة حساباته، وإعادة التفكير في أمور استند إليها في تصميم سياساته، وبلورة آماله وتوقعاته. في هذا المقال، أوجز بعض هذه الإحباطات التي لم يكن بينها فواصل زمنية واسعة:
-
تكرر حدث عدم حسم تشكيل حكومة صهيونية بسبب نتائج انتخابات من الصعب أن تسمح بتشكيل حكومة بسهولة، وبات الصهاينة أمام احتمال إجراء انتخابات للمرة الثالثة عسى أن تخرج نتائج تؤدي إلى تشكيل حكومة بدون لغط سياسي واسع. والعبرة هنا ليس بعدد المقاعد البرلمانية التي حصل عليها كل طرف، وإنما بالتمزق السياسي الحزبي الذي يجتاح المشهد السياسي الصهيوني. يعاني الكيان الصهيوني منذ ثمانينات القرن الماضي من كثرة الأحزاب السياسية ومن تفريخها بسبب الانقسامات التي تشهدها الأحزاب. التمزق كان واضحا في الثمانينات والتسعينات إلى درجة أن أحزابا صغيرة الحجم كانت تتحكم بالحكومة من ناحيتين وهما: كانت تحصل الأحزاب الصغيرة على امتيازات غير مؤهلة لها من ناحية الحجم. أي أنها كانت تبتز الحزب المكلف بتشكيل الحكومة، ولم يكن لدى ذلك الحزب طريقا آخر غير الإذعان للابتزاز. أما الناحية الثانية فتتعلق باستمرار الحكومة، وكان على رئيس الحكومة ألا يغضب حزبا صغيرا كي لا ينسحب من الائتلاف الحكومي فتنهار الحكومة. ولهذا شهدت مرحلة الثمانينات والتسعينات حالة عدم استقرار حكومي، وكان من الصعب على الحكومة أن تستمر حتى نهاية مدتها المتعارف عليها. أما الآن فتدهورت الأوضاع السياسية بالمزيد إلى درجة أن المكلف بتشكيل الحكومة لا يتمكن من تشكيل حكومة لأنه لا يستطيع أن يجمع عددا من المقاعد تؤهله لنيل ثقة الكنيست. الوضع المتدهور هذا يؤكد تعميق التمزق السياسي، والذي يؤشر على تمزق اجتماعي أيضا. تجري عمليات الاقتراع في الكيان الصهيوني في الغالب وفق خطوط متوازية مع الأعراق والألوان والقناعات الدينية والقبلية السياسية ما يحولها إلى مصالح فئوية تؤثر سلبا على وحدة الجمهور وتماسك المجتمع. وهذا بحد ذاته إحباط كبير، ويمكن استغلاله فلسطينيا لإضعاف الصهاينة.
-
أصيب الصهاينة بإحباط كبير تبعا للأحداث السياسية والعسكرية الجارية في المنطقة العربية الإسلامية بخاصة ما يجري في سوريا. عمل الصهاينة بجد واجتهاد على تقسيم سوريا، وكانوا يتطلعون إلى إنشاء كيان كردي يشغل سوريا وإيران وتركيا لسنوات طويلة، وعقدوا الآمال على الولايات المتحدة لتلبية تطلعاتهم. فجأة أعلنت أمريكا عن خروجها من منطقة الجزيرة السورية تاركة مستقبل تفاعل العلاقات بشأن الأكراد بيد روسيا، والروس يرفضون تقسيم سوريا على الرغم من أنهم مع تلبية الاحتياجات الأمنية التركية ولو على حساب سوريا. هذه حلقة فلتت من أيدي الصهاينة الآن.
-
أذهل الموقف الأمريكي حيال إيران الصهاينة. راهنوا هم والسعوديون على الموقف الأمريكي من إيران، وتوهموا أن أمريكا ستشن حربا بالوكالة ضد إيران. لكن يبدو أن صلابة الموقف الإيراني وقدرات إيران العسكرية دفعت أمريكا لمراجعة حساباتها والإعلان عن عدم نيتها في الدخول في حرب ضد بلاد فارس. وهذا يعني أن إيران وقدراتها التصنيعية العسكرية قد وصلت حد الأمان، وأن إيران تستطيع أن تستمر في التطوير العلمي والتقني مستندة إلى قدراتها العسكرية الذاتية. كان للتهديد الأمريكي معنى قبل اختبار الإرادة الإيرانية، لكن إسقاط الطائرة الأمريكية وتحليق طائرات إيرانية فوق حاملة طائرات، واحتجاز سفينة نفط بريطانية أكد للجميع قدرة إيران على الرد والتدمير. انكفأت أمريكا، وعلى الصهاينة أن يفكروا الآن بقدراتهم الذاتية. أمريكا لم تعد القوة التي تغامر بمصالحها من أجل أحد.
-
وأصيب الكيان الصهيوني بإحباط آخر بعد أن أقدم الحوثيون على قصف منشآت نفطية تابعة للشركة العربية الأمريكية (أرامكو). دلت عملية الحوثيين على المستوى التقني العالي لأسلحتهم. وسواء كانت من ابتكارهم بتوجيه إيراني، أو كانت أسلحة مهربة من إيران، جرس الإنذار دق عند الصهاينة. أي أن التقنية الأمريكية المتوفرة لدى السعودية لم تتفوق على التقنية المستخدمة في ضرب الأهداف السعودية. أي أن بإمكان الحوثيين ضرب منشآت صهيونية والسيطرة على مضيق باب المندب دون أن تصاب أدواتهم العسكرية بأذى. ومن ناحية أخرى، إذا كان الحوثيون يملكون هذه القدرات، فماذا تملك إيران؟ والمهم بأن أمريكا وكل الدول الغربية لم تصنع شيئا إزاء هذا الحدث العظيم، واكتفى الجميع بالجعجعة الإعلامية والاتهامات.
-
لم تكن انتخابات تونس مصدر انتعاش صهيوني. اختارت تونس شخصا يؤمن بتحرير فلسطين، ويتجه نحو ترسيخ فكر عربي وحدوي. وإذا نجح الحكم الجديد في تونس فإن الفكرة الديمقراطية ستمتد إلى أماكن أخرى في الساحة العربية على غير ما يشتهي الصهاينة. الصهاينة وكل دول الغرب يفضلون حكم القبائل.
هذه إحباطات ستدفع الصهاينة إلى التفكر والتأمل من جديد في وضعهم وسط الوطن العربي. السياج الذي تفرضه أمريكا تحصينا للصهاينة يفقد صدقيته خطوة خطوة، والثقة بأمريكا بأنها تفضل خدمة الصهاينة على خدمة ذاتها اهتزت بصورة كبيرة. كما أن عدم قدرة السعودية على استخدام ما تشتريه من أسلحة يؤكد للصهاينة أن دول الخليج ليست دول حرب ولا يمكن الاعتماد عليها في حرب ضد إيران.
ويبقى السؤال: كيف بإمكاننا نحن أهل فلسطين استغلال الأوضاع المستجدة هذه من أجل خدمة قضيتنا؟