بقلم. علاء سراحنة
الاعتذار مقابل الرحمة .. لن أعتذر لدولتكم المزعومة
الأسير الطفل أحمد صافي يخط القسم "لا تعتذر"
الطفل صافي يتقمص دور الشاعر أمل دنقل في وجه قضاة الاحتلال ويخط عنوان جديد للشعراء "لا أعتذر"
قطع الشاعر المصري أمل دنقل مسافات كبيرة واختصر كل الكلام عندما خط بيده كتابة قصيدة ثورية، مملؤة بالعنفوان وبداخله يحتمي الحق والحقوق: لا تصالح
لا تصالحْ! ..ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟ هي أشياء لا تشترى..:
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك، حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ، هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ، الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما.. وكأنكما ما تزالان طفلين! تلك الطمأنينة الأبدية بينكما: أنَّ سيفانِ سيفَكَ.. صوتانِ صوتَكَ أنك إن متَّ: للبيت ربٌّ وللطفل أبْ.. هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟ أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء.. تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟ إنها الحربُ! قد تثقل القلبَ.. لكن خلفك عار العرب لا تصالحْ.. ولا تتوخَّ الهرب!
بكل كلمة في هذا المقطع فيه قسم، يقسمه الفلسطيني أطفالا وشبان وشيوخ، بأن لا تصالح!، فكيف تتجرأ ما تسمى لجنة الافراجات الاسرائيلية في سجن مجدو، أن تطلب الاعتذار من طفل فلسطيني، وهو قد ولد وملطخ بدماء عساكرها، اعتقل ولم يرى كوكب القمر قد اكتمل؟، فكان رده قسما جديدا يخطه على كل فلسطيني بأن لا يعتذر، كأنه يقول: "لا تعتذر.. لو منحوك الحرية ففيها الخداع، لا تعتذر لو قدموا لك الطحين والكهرباء فهم سرقوا البلاد، أترى حين تعتذر ويفرج عنك.. تصاب بنشوة الحرية؟.. لا بل بحريتك هذه إذلالك فعينهم ترقبك في كل مكان؛ لأنهم أعداء ولصوص فهم مهوسون بكل طفل فلسطيني يولد.. كيف سيكبر دون أن يدق مسمار في نعش المشروع الصهيوني.. لذلك يساومونك على الاعتذار وهم يعرفون بأن هذا محال.
وقف القاضي في محكمةٍ صورية تم إنشائها في سجن مجدو شمال الضفة الغربية، وبين رتبه العسكرية أمام الطفل الأسير أحمد صافي وطلب منه القاضي أن يعتذر " لدولته إسرائيل" مقابل تخفيف 30 يوما من حكمه الذي يبلغ ثمانية أشهر، في خطوة يعتبرها "القضاء الإسرائيلي" خطوة للإعتراف بمحاكمه الظالمة، التي تقضي بأحكام غير مسبوقة على الأسرى الفلسطينيين.
وفي المقابل، ندا لند!، وقف الطفل الفلسطيني أحمد، في ردٍ غير متوقع من قبل القاضي وحاشيته التي تجلس بجانبه اجاب الطفل الأسير" لن أعتذر لدولتكم المزعومة " بكل مكوناتها وبكل عنجهيتها وبكل عنصريتها وبكل جبروتها، لن أعتذر!.
فمن أقدم على اعتقالي و اقتيادي الى المعتقل هو من عليه أن يعتذر لي ويرد لي اعتباري، ومن قام بحرماني من حضن أمي وحرمها طعم الراحة ولوعة الإشتياق هو من عليه أن يعتذر .
ومن حرمني من مقاعد الدراسة التي تنتظرني ومن بين زملائي وحرمني من نشيدي الصباحي ومن منافستي لطلابي هو من عليه أن يعتذر .
من بطش بي لحظة اعتقالي بعتمة الليل وأرعب عائلتي وشج رأسي وضربني وأهانني وجعلني أنزف الدم عليه أن يعتذر لكل قطرة دم سالت مني.
من حفر في ذاكرتي صورة الإعتقال والعنصرية محاولاً أن يزرع الرعب في قلبي عليه أن يعتذر لطفولتي وحلمي الذي يتبدد.
" لن أعتذر " لمحكمتكم العسكرية والصورية التي لا تفرق بين الطفل وبين الشاب وبين الشيخ الكبير في السن وتنظر لنا بدونية.
ليعود الطفل الأسير إلى زنزاته رافعا رأسه بين أقرانه من الأسرى الأشبال ليكمل مدة إعتقاله ولتبقى هذه الصفحة بين صفحات كثيرة سطرها الأسرى بكل معاني الصمود والتحدي.
هذا الطفل الذي أتاح للشعراء أن يتجلو بشعرهم وهو الذي قد قدم لهم العنوان، أعاد بنا وبكل من يتذوق شعر المقاومة إلى قصائد أمل دنقل، فكان هو جسرا اليوم لها، كي نضع بدلا "لا تصالح" "لا تعتذر" "لن أعتذر".
جاء هذا الطفل في خضم إبحار العالم العربي نحو التطبيع والخيانة والاعتذار لكيان الاحتلال ولا ندري عما يعتذرون، وهم الذين عليهم أن يعتذروا لهذا الطفل بدلا من "بنيامين"‘ جاء في نشوة نتنياهو بتحقيقه هذه الاختراقات ليقول له أنا هنا أنا الذي ستواجهه أنا الذي لا زلت "لم اعتذر" و" لن أصالح".
رحلة العناء ومخاض أوجاع الاعتقال التي تولد رجالا أقوياء لا يعتذرون
تبدأ فصول المرحلة ما بين مد وجزر بين الاحتلال والأسرى منذ اللحظة الأولى، ويبدأ فيها مراحل الكبرياء، الذي يتمثل بروح كل أسير حينما يصطدم بسجانه، فيبدأ السجان بتوجيه من أجهزة الشاباك بكسر الإرادة والعنفوان لدى الأسرى التي تتمثل بالتماسك والتلاحم والإخاء بين كل الأسرى بشتى شرائحه المكونة من كبار السن وأشبال ونساء
فهذا الطفل الفلسطيني أحمد علي صافي الذي لم يتجاوز عمره 17عاماً والمعتقل منذ 26/6/2020 ،هو صورة من بين آلاف الصور المتكررة التي تظهر جلياً في صلابتها وعنفوانها وأمام كل العسكر الإسرائيلي المتمثل بقضاء ومحاكم صورية في خطوة لإذلال تلك الطفولة.
صورة أحمد وكلامه اختزل واقع التربية داخل السجون، والتي أنجبت وصدرت شهداء وجرحى على مدار تاريخ القضية الفلسطينية.
يذكر أنه بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين الذين تعرضوا للاعتقال منذ عام 1967 وحتى نهاية ديسمبر من العام المنصرم 2020 نحو مليون فلسطيني، وهناك أكثر من خمسين ألف حالة إعتقال سجلت في صفوف الأطفال " مادون سن (الـ 18 عاما) وذلك وفق القوانين التي أصدرتها الأمم المتحدة ومنظمات الحقوق التي تعنى بشؤون الأطفال.
وبلغ عدد الأسرى الأطفال والقاصرين رهن الاعتقال الإسرائيلي حتى نهاية عام 2020 مايقارب 170 طفلاً وطفلة يتوزعون على عدة معتقلات إسرائيلية ( مجدو، الدامون، التيلموند، وعوفر) فضلا عن الذين يقبعون في مراكز التحقيق وتمتد فترة التحقيق معهم مايزيد عن 60 يوماً وذلك حسب إحصائية هيئة شؤون الأسرى.
وقد نصت القوانين الدولية والمتفق عليها على تحريم إحتجاز الأطفال أو اعتقالهم وحرمانهم من حياتهم وحقهم في التعليم، وهذا ما تضرب به دولة الإحتلال عرض الحائط متناسية كل القوانين والشرائع الدولية، معاقبة بذلك الطفل والشاب والكبار والمريض بكونه فلسطينياً يدافع عن أرضه ومقدساته.