بقلم : يوسف قطينة
في مقابلته مع جريدة "القدس" يوم الأحد المنصرم، تحدث جاريد كوشنير صهر الرئيس الأميركي دونالدو ترامب ومستشاره السياسي مطولا عن " صفقة القرن" وحاول الترويج لها، من خلال تركيزه على "المكاسب الاقتصادية الفخمة" التي سيحصل عليها الشعب الفلسطيني عبرهذه الصفقة، وهذه الصفقة هي نسخة جديدة ومنقحة عن خطة شمعون بيريس، رئيس اسرائيل السابق، عن السلام الاقتصادي بين الدول العربية واسرائيل، وتقوم على أساس استثمار المليارات العربية النفطية العربية من أموال "البترودولار" و " العقول الاسرائيلية" وهي بهذه توحي بأن العرب اغبياء، لديهم الأموال الطائلة من عائدات النفط، ولكن ليس لديهم العقول التي تستطيع استثمار تلك الثروات الطائلة، والغريب ان العديد من القادة الخليجيين، رحبوا بفكرة بيريس هذه، وكان الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي، والامير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، هما اكثر المروجين لفكرة " السلام الاقتصادي" مع اسرائيل والتطبيع معها، واقامة حلف بين الدول العربية "المعتدلة " واسرائيل للتصدي "للعدو" المشترك ايران.
وفي مقابلة له مع صحيفة "يديعوت احرونوت" الاسرائيلية، قال الجنرال انور عشقي " ان السعودية قد تغيرت وان ملكها الجديد يبعث باشارات الى اسرائيل حول اصراره على تحقيق السلام، وان لدينا مصالح مشتركة، ونستطيع بسهولة تحديد اعداء مشتركين، واضاف قائلا: " ان السعودية اليوم وبعكس الماضي، مستعدة للتباحث حول طلبات اسرائيل تعديل بعض بنود مبادرة السلام العربية، وان تحقيق السلام مع الاسرائيليين مصلحة استراتيجية للرياض".
والواقع ان السعودية لم تعدل بعض بنود مبادرة السلام العربية، بل تجاوزتها وتخطتها، وشرعت في التطبيع مع اسرائيل، ولم تكتف بذلك، بل اخذت تضغط على القيادة الفلسطينية للقبول بصفقة القرن، مع استخدام سلاحي الترغيب والترهيب، الترغيب بمليارات الدولارات اذا وافقت على الصفقة، والترهيب بقطع المساعدات المالية، والعمل على ايجاد قيادة فلسطينية بديلة، وقد نقل عن ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان قوله :" على الفلسطينيين ان يقبلوا بما يعرض عليهم او فليخرسوا".
وفي اطار التطبيع والتنسيق الامني مع اسرائيل ، التقى الامير محمد بن سلمان رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو في العاصمة الأردنية " عمان" يوم الاثنين الماضي، السابع عشر من حزيران ، وذلك وفق مقال في صحيفة " معاريف" الاسرائيلية، كتبه محرر الشؤون العربية في اذاعة الجيش الاسرائيلي جاكي حوجي.
وكشف حوجي، في مقاله :" ان صديقا اردنيا اتصل به مؤخراً وابلغه بحماسة بالغة ان وليد العهد السعودي حضر الاجتماع الثنائي الذي ضم الملك عبد الله الثاني ونتنياهو في عمان، وقال : سواء كانت هذه المعلومة صحيحة ام لا، فان اسرائيل والسعودية تجريان اتصالات مباشرة بينهما، وان ثمة لقاءآت كثيرة عقدت في اماكن مختلفة بعيداً عن الاضواء على نحو ستتحول الى امر عادي.
والملاحظ ان نفي اللقاء السعودي الاسرائيلي صدر من عمان، ولكن الرياض التزمت الصمت ازاء هذا اللقاء، اذ لم تؤكده ولم تنفه، وكان ابن سلمان قد صرح اكثر من مرة : ان بلاده تتقاسم المصالح المشتركة مع اسرائيل، وان للاسرائيليين حقاً في ارض فلسطين، وانه في حال التوصل الى سلام في المنطقة ، فانه سيكون هناك الكثير من المصالح بين اسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي.
وتقف السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة على رأس المروجين لصفقة القرن، التي هدفها الأساسي شطب القضية الفلسطينية تماما، وتجاوز قضاياها الاساسية، وفي مقدمتها القدس، وقد تجلى ذلك في اعتراف واشنطن بها عاصمة لاسرائيل، ونقل سفارتها اليها من تلك ابيب، وكذلك الغاء حق العودة، من خلال دعوة ترامب ونتنياهو الى انهاء عمل وكالة الغوث الدولية " الاونروا" ذلك ان حق العودة هو العنوان الاساس للقضية الفلسطينية.
كما ان صفقة القرن تعطي لاسرائيل نصف الضفة الغربية، وفي مقدمتها منطقة الاغوار التي تشكل ربع مساحة الضفة الغربية، وتبقي على المستوطنات القائمة وتشرعنها، وتدعو الى اعتبار ابو ديس عاصمة "للدولة الفلسطينية، الهزيلة التي ستقوم على نصف الغربية، مع ضم بعض القرى المجاورة لها، وانشاء ممر من " الدولة الفلسطينية " الى القدس القديمة لاداء الصلوات في المسجد الاقصى المبارك.
وفي ترويجه للصفقة، فان كوشنر في مقابلته مع جريدة " القدس" تجاهل القضايا الأساسية في القضية الفلسطينية، من القدس واللاجئين والحدود والمياه، وركز فقط على "السلام الاقتصادي" والخطة الاقتصادية التي تعمل ادارة ترامب على وضعها، كجزء من صفقة القرن، من خلال استثمارات ضخمة، لا تقتصر على الشعب الفلسطيني، بل تمتد الى الشعبين الاردن والمصري ايضا.
ويظهر كوشنر بذلك، بصورة غير مباشرة، التنسيق الاميركي السعودي، لتمرير صفقة القرن، حيث انها تتوافق ورؤية الامير محمد بن سلمان، وخطته الاقتصادية ٢٠٣٠ التي أولها مشروع " نيوم" والذي سيشمل جزيرتي تيران وصنافير اللتين تنازلت مصر عنهما للسعودية، والتي سيتم ضخ اكثر من ٥٠٠ مليار دولار في مشروع " نيوم".
وفي ترويجه لـ «السلام الاقتصادي» تحدث كوشنر عن الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية في قطاع غزة والضفة الغربية، وعن التدريب المهني والتحفيز الاقتصادي، وأن الشعب الفلسطيني يستطيع ان يكون مستفيداً من خلال قفزات حتى يصبح من قادة العصر الصناعي القادم، فالشعب الفلسطيني مجتهد ومثقف جيداً، ومتاخم لـ «وادي السيليكون» الشرق الاوسط - اسرائيل، وأضاف قائلاً: إن ازدهار اسرائيل سوف يمتد بسرعة الى الفلسطينيين اذا كان هناك سلام، فالعديد من البلدان من جميع أنحاء العالم مستعدة للأستثمار اذا كان هناك اتفاق سلام.
وفي حديثه عن قطاع غزة، حمل قيادة حماس «القيادة السيئة» كما وصفها، بالمسؤولية عن تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين هناك، وتجاهل الحصار الاقتصادي الاسرائيلي الخانق، والجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الاسرائيلي، وخاصة خلال مسيرات العودة، حيث استهدف جنود الاحتلال المسعفين والأطفال الرضع والمعوقين والنساء والشباب والشيوخ، الذين خرجوا في مسيرات سلمية، تطالب بحق العودة ورفع الحصار، حيث سقط أكثر من ١٢٠ شهيداً وآلاف الجرحى، وزعم أن حماس والسلطة الفلسطينية تستخدمان سكان قطاع غزة كرهائن، وأنه آن الأوان لأن يتوقفا عن ذلك، وحاول استغلال الانقسام بين غزة والضفة، وادعى أن الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية غير مرتبطين بحكومة أو بأرض، وشدد على أن الأمر في غزة ليس قضية سياسية، قضية شعب يطالب بحق عودته إلى أرضه ووطنه، بل هي قضية إنسانية تفاقمت بشكل كبير جراء تخفيض السلطة الفلسطينية رواتب موظفي القطاع.
وأدعى كوشنر أن الشعب الفلسطيني سيعجب بخطة صفقة القرن، لأنها ستؤدي الى فرص جديدة له ليحقق حياة أفضل بكثير، وأن الرئيس محمود عباس يركز فقط على بقائه السياسي، ويعزز ارثاً من عدم التسوية بدل تحسين حياة الشعب الفلسطيني، وأن الرئيس ترامب يسعى من أجل مساعدة الشعب الفلسطيني، وتحسين أوضاعه المعيشية، وختم المقابلة مع جريدة «القدس» بالقول أن حلمه هو أن يكون كلا الشعبين الاسرائيلي والفلسطيني أقرب الحلفاء في مكافحة الارهاب، والانجاز الاقتصادي، والتقدم في العلوم والتكنولوجيا، وفي مشاركة حياة أخوية بالسلام والازدهار.
وخلاصة تصريحات كوشنر أن على الشعب الفلسطيني أن يتنازل عن القدس وحق العودة وعن مياهه وأراضيه وحلمه في إقامة دولته، وأن يعترف باسرائيل الكبرى، وأن يتنازل عن نصف الضفة الغربية، وأن يقبل بالسيادة الاسرائيلية على المسجد الأقصى المبارك، وأن يقبل بممر أليه يؤدي فيه الصلوات أيام الجمع وفي رمضان وفي عيدي الفطر والأضحى، وأن يقبل بآداء اليهود الصلوات فيه، وعقد مراسم الزواج فيه، وأن يصفق للسلام الاقتصادي، وأن يقبل بالاحتلال الدائم لأرضه ووطنه، وأن يذل بجيش الاحتلال، ويقنع بالعمالة في المصانع الاسرائيلية، وأن يكون كالأنعام يآكل ويشرب وينام، ولا وطن له ولا أرض ولا حرية ولا مستقبل لأولاده وأجياله القادمة، وأن يفرط بأمانة حماية قدسه وأقصاه المبارك.
إن إدارة ترامب التي هي أكثر ليكودية من حزب الليكود الاسرائيلي، تسعى الى شطب نهائي للقضية الفلسطينية من خلال خطة سلام ظاهرها الرحمة وباطنها تصفية القضية، وهذا أمر مفهوم من إدارة متصهينة أكثر من غلاة اليمين الاسرائيلي المتطرف، ولكن المستنكر والمستغرب أن تسعى قيادات عربية لتطبيق هذه الصفقة على أرض الواقع، وإنفاق مليارات الدولارات من أجل تنفيذها، سعياً لمرضاة ترامب وتثبيتا منه لحكمهم، غير عالمين أن التفريط بالقدس وأقصاها هو تفريط بمكة المكرمة وكعبتها.
من يذكر منا الملك العادل الذي تنازل عن القدس للغزاة الافرنج - الصليبيين وبعد آن حررها صلاح الدين الأيوبي، مقابل تثبيته على عرش ملكه، لا أحد يذكره طواه التاريخ في صفحة السوداء وهذا مصير كل من يتنازل عن فلسطين وقدسها وأقصاها.!!