Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

من الخليج إلى «إسرائيل»… حركة التطبيع ومواجهات إقليمية مُحتملة

وكالات

في الإطار العام لمسار التطبيع مع «إسرائيل»، يبدو واضحاً أنَّ المنطقة باتت بين اصطفافين، أحدهما دول الممانعة، والثاني دول التطبيع. وهذا بطبيعة الحال يأخذنا إلى جملة من السيناريوات المحتملة، مع التركيز على أسئلة عميقة ستكون ناظمة للتطورات المقبلة، لكن يبقى السؤال الأهم يتمحور حول رؤية دول الممانعة لـ مسار التطبيع، وعمق المواجهات الإقليمية والدولية مع محور واشنطن وشركائها.

لا شك بأنَّ المواجهة بين واشنطن وطهران، قد اتخذت شكلاً سياسياً سيكون بلا ريب ناظماً لمرحلة جديدة من التعامل بين البلدين، وفي هذا السياق، يبرز أمران، الأول استصدار قرار أممي يوقف مفعول القرار 2231 القاضي بإنهاء حظر استيراد وتصدير السلاح من وإلی إيران في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، والثاني أعلن الرئيس الأميركي في الثالث عشر من أغسطس/ آب 2020 عن اتفاق بوساطته لتطبيع العلاقات بين الإمارات و»إسرائيل»، لكن اللافت للنظر بأنَّ اتفاق التطبيع جاء بالتزامن مع رفع الحظر عن استيراد وتصدير السلاح الايراني، على الرغم من أنَّ قرار التطبيع لم يكن مفاجئاً، إلا أنَّ اقتران الإعلان عن الاتفاق بالمواجهة الأميركية – الإيرانية وإسقاطاتها الإقليمية جعله جزءاً من صراع أوسع يجمع إيران ومحور المقاومة من جهة، والولايات المتحدة وأدواتها من جهة أُخرى.

واشنطن وقوّتها العسكرية وسطوتها السياسية، وقفت حائرة أمام صمود إيران ومحور المقاومة، وعلى الرغم من الضربة المؤلمة التي تلقاها محور المقاومة باغتيال الجنرال قاسم سليماني ورفاقه، إلا أنَّ مسار المحور التصاعدي لم يتأثر، بل على العكس، فقد صعّدت ايران من استراتيجيتها لمواجهة الولايات المتحدة ومسار التطبيع، والإبقاء على بوصلة المحور باتجاه فلسطين، ودعم حركات المقاومة، فالواقع المستجدّ يفرض على إيران وعموم محور المقاومة، اتباع استراتيجيات جديدة من شأنها متابعة هذا المسار، خاصةً أنَّ خلف الكواليس هناك حلف يتبلور بين «إسرائيل» وبعض الدول الخليجية ضدّ إيران تحديداً، وأركان محور المقاومة عموماً.

الولايات المتحدة وعبر سياسية الاصطفافات الإقليمية الجديدة، إنما تريد إجبار إيران على تغيير سياستها وفق مطالب الولايات المتحدة، بيدَّ أنَّ الرؤية الاستراتيجية الواضحة لمحور المقاومة، تذهب بعيداً في التأسيس لمعادلة ترتكز أيضاً على بناء اصطفافات جديدة، تكون نداً للتحالف الغير تقليدي بين «إسرائيل» والدول الخليجية والذي ترعاه الولايات المتحدة.

في ذات الإطار، يُنظر لاتفاقيات التطبيع على أنها استراتيجية أميركية للضغط على إيران، وإحداث خلل بنيوي في جسد محور المقاومة، لكن المقاومة الفعّالة التي أبدتها إيران بوصفها قائدة لهذا المحور، إنما غيّرت الفهم الأميركي لإسقاطات الضغط على إيران، بدا ذلك من خلال المعادلة القائمة في مايو/ أيار 2019 حين تراجعت طهران بشكل متدرِّج عن التزاماتها النووية وقامت بمناكفة الولايات المتحدة عسكرياً، ما وصل في ذروته إلى إسقاط مسيَّرة أميركية عالية التقنية في يونيو/ حزيران 2019، الأمر الذي أجبر الإدارة الأمريكية على تغيير نمطها في التعامل مع إيران، عبر التركيز على ميزان القوى على الأرض، مع الزخم السياسي الذي تتبناه واشنطن إقليمياً ودولياً ضدَّ إيران.

في الواقع، الفترة المقبلة تحمل العديد من السيناريوات التي يُمكن وضعها في إطار التصعيد الممنهج ضدّ إيران ومحورها، خاصة أنَّ مشهد الشرق الأوسط يحمل بوادر إعادة تموضع فرضها مسار التطبيع، ما يعني في عمق هذا المشهد، أنَّ آليات المواجهة لن تقتصر على العقوبات الاقتصادية الضاغطة فحسب، وإنما من الممكن أنّ نشهد هجمات سيبرانية ضدّ منشآت إيرانية ذات حساسية عالية، وعطفاً على ذلك قد نشهد استهداف مركز ضدَّ حزب الله لكن بطريقة لا تؤدي إلى حرب شاملة، وبكلّ تأكيد فإنّ سورية لن تكون بعيدة عن تلك الاستهدافات، لكن في المقابل، فإنّ الضغط العسكري والاقتصادي ضدّ محور المقاومة، لن يُحقق أيَّ نتائج للإدارة الأميركية، فهذا المحور المُنتصر في سورية واليمن والعراق ولبنان، والذي يواجه الضغط الاقتصادي بكفاءة عالية، لن يستكين ضدَّ أيَّ خطط أميركية قادمة، تنطلق من بوابة الخليج.

في الخلاصة، نجحت واشنطن في خلق جبهة إقليمية جديدة بين «إسرائيل» وبعض الدول العربية، والحديث عن تطبيع دول أُخرى مع «إسرائيل»، يأتي أيضاً في سياق تكثيف الضغط على محور المقاومة، وبذلك تنجح واشنطن في تشكيل جبهة عربية بقيادة «إسرائيل» ضدّ إيران وعموم محور المقاومة، لكن من الواضح أنَّ صلابة المحور الإيراني اليمني السوري اللبناني والعراقي، سيكون بمثابة مبضع الجراح الذي سيباشر بعمليات جراحية تكتيكية، لاستهداف نواة مسار التطبيع، وتأطيرها وتحييد تأثيراتها ومفاعيلها على محور المقاومة، فالمعركة طويلة ولم تنته، ولن تخلو من مواجهات إقليمية محتملة.