حماد صبح
نفت داخلية غزة الخبر الذي بثته قناة ” العربية ” السعودية عن اعتقالها ، الداخلية ، 16 عنصرا من كتائب القسام بتهمة التخابر مع إسرائيل . وستكشف الأيام القادمة كذب الخبر أو صحته . ولا يتوقع أحد ألا تتحرك أصابع الاستخبارات الإسرائيلية في غزة ، وهو ما تُنبِه إليه الداخلية وحركات المقاومة وأولها حماس . وبعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة ، كثرت شكوى الاستخبارات الإسرائيلية من صعوبة تجسسها في غزة ، ودوى فشلها في نوفمبر 2018 حين اكتشفت مجموعة تجسس تابعة لوحدة سييرت متكال شرقي خانيونس ، فقتل ضابط منها ، وجرح نائبه . ولم تنقذ إسرائيل بقية أفراد المجموعة إلا بإحاطة سيارتهم بنطاق ناري جوي كثيف ، والمقطوع به أن أيا منهم لم يعد قادرا على العمل في الاستخبارات بعد أن سحقت روحه رعبا في تلك اللحظات الخاطفة التي قبض فيها الموت على معظم أنفاسه ، والمقدر أيضا أن أي واحد منهم ، بينهم نساء ، سيعيش مشوه النفس ، مضطرب الذهن ، شاذ السلوك .
وبعد شهور من عملية سييرت متكال الفاشلة ، اقتربت الاستخبارات الإسرائيلية من حافة فشل جديد مشابه حين طاردت الأجهزة الأمنية في مدينة غزة سيارة ارتابت فيها ، فلاذت بمبنى الأونروا ، فتوقفت عن اللحاق بها داخله ، وسرت شائعة بأن السيارة تخص الاستخبارات الإسرائيلية ، وأن إسرائيل أنذرت بأنها ستقصف أماكن في غزة قصفا عنيفا إذا تعرض أفرادها ، السيارة ، لأي خطر .
الصراع الاستخباري بين إسرائيل والمقاومة في غزة لا يتوقف ، ولن يتوقف . وعلى قلة إمكانات المقاومة في هذا الصراع فإنها تصنع نجاحات كبيرة ، ليتها تكون قدوة ، هي ونجاحات حزب الله ، للمخابرات العربية ، وصفوة هذه القدوة : كيف تنجح المقاومة الفلسطينية وحزب الله على قلة إمكاناتهما في إفشال مخططات الاستخبارات الإسرائيلية ، وفي الوصول إلى معلومات سرية عن إسرائيل ، واختراق حواسيب ضباط وجنود ومسئولين إسرائيليين في الوقت الذي تباهي فيه الاستخبارات الإسرائيلية بعظم نجاحاتها في الدول العربية ؟! الجواب معلوم ، وهو أن الاستخبارات العربية باستثناء السورية لا تعمل ضد إسرائيل واستخباراتها ، وكثيرا منها ، الاستخبارات العربية ، يتبادل المعلومات مع الاستخبارات الإسرائيلية بأقسامها الثلاثة : الموساد المتخصصة في النشاط الخارجي ، وأمان المتخصصة في النشاط العسكري ، والشابك المتخصصة في النشاط الداخلي .
ومن أكبر نجاحات المقاومة في غزة ضد الاستخبارات الإسرائيلية بأنواعها الثلاثة إخفاء جلعاد شاليط خمس سنوات وخمسة أشهر حتى صفقة وفاء الأحرار التبادلية في نوفمبر 2011 . مثَل ذلك الإخفاء الطويل فضيحة إخفاق كبيرة للاستخبارات الإسرائيلية . وإخفاقها الآن قائم في جهلها بمكان ومصير أربعة إسرائيليين محجوزين في غزة ، ثلاثة عسكريين ، ومدني .
صراعنا مع إسرائيل متنوع الساحات والأساليب ، ومن أخطر هذه الساحات وأعقدها ساحة الاستخبارات والمعلومات التي يتطلب النجاح فيها قدرات متنوعة متعددة ، بشرية ومالية وتكنولوجية ، ويقظة دائمة ، وتوعية لكل المواطنين ، وتمتينا لمناعتهم الاجتماعية والاقتصادية والوطنية والنفسية .
مُعيب ومحبط قوميا وإنسانيا وأخلاقيا وحضاريا أن تستطيع دولة شراذم مهاجرين عمرها 73 عاما الادعاء بأنها سوبرمان المنطقة ازدهارا وقوة عسكرية واستخبارية . حالتها معنا في الحق حالة الأعور في بلاد العميان التي تؤهله ليكون سلطانا عليهم . وعند أي اختبار حقيقي يستبين أنه ، الأعور ، أشد عمى منهم ، واختبرت إسرائيل عسكريا بعد انتصارها في 1967 ، فاستبانت عورتها العسكرية ، واختبرت استخباريا ، فبانت عورتها الاستخبارية . وفي 19يونيو الفائت كشفت الرقابة الإسرائيلية قضية أمنية خطيرة في مكتب رئيس الوزراء نتنياهو ، ووضحتها ” هآرتس ” بأنها تخص جاسوسا أمنيا هو يوحانان لوكر كان نتنياهو ينوي أن يوليه منصيا أمنيا كبيرا ، ولم ينشر بعد ذلك أي شيء عن القضية . جاسوس في مكتب رئيس الوزراء ؟! ماذا عن الأماكن الأخرى ؟! لا أحد معصوم ولا أحد مأمون . والصراع متصل ، والحياة يوم لك ، ويوم عليك ، والذكي الحاذق من يجعل أكثر الأيام له ، وأقلها عليه .