صابر عارف
ما يزال وباء الكورونا العالمي حديث ومركز الأهتمام البشري الأول محليا واقليميا ودوليا ليس بسب ما يحصده من ارواح بشرية كل ساعة، بل وكل دقيقة في كل ساحات الكرة الارضية ، وليس بما خلفه حتى الآن من ركود اقتصادي ينذر بأزمة اقتصادية أعمق وأخطر ، يبدو انها ستهدد وتسقط النظام العالمي الحالي بقيادته الامريكية المتغطرسة الظالمة. كما يتوقع الكثيرون من اهل الفكر وذوي الخبرة وبعض زعماء السياسة والاقتصاد ومن أبرزهم هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي الأسبق ومستشار الأمن القومي للرئيس نيكسون الذي كتب في مقال نشرته قبل يومين صحيفة وول ستريت جرنال الأمريكية ،، أن جائحة فيروس كورونا ستغير النظام العالمي للأبد وأن تأثيرها المضر على الصحة العامة قد يكون مؤقتا إلا إن الأزمة السياسية والاقتصادية التي خلفها تفشي الفيروس ستستمر إلى أجيال عديدة ،، .
سيبقى هذا الوباء موضع الاهتمام الاول ليس لما احدثته تداعياته من تغيير في القيم والمعتقدات والعادات، بما في ذلك من موروث ديني، زاد احيانا من وتيرة الهلوسات والاستحضارات والفوضى والتمرد كما حصل في بعض المساجد والكنائس في فلسطين وغيرها .
الخوف كل الخوف من مجهول هذا الفايروس اللعين الذي يتطور كل حين وما زال العلم عاجزا عن سبر اسراره واكتشاف مخاطره ووسائل علاجه ، وكما هو معلوم فان الخوف من المجهول هو الخوف الأخطر والأعمق على النفس البشرية!!!.
ساترك الحديث عن احتمالات التغيير في النظام العالمي الذي اتمناه ان يكون سريعا وعميقا وعاصفا، ساتركه على اهميته لوقت لاحق، لأتحدث اليوم عن المخاطر والتحديات المحلية الوطنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ذات الصلة بالوعي والنظام العام والالتزام وليس بالجوانب الصحية لاني لست من مختصيها، ولكني اسمح لنفسي ان اتحدث عن الهوامش الوطنية التي رافقت انتشار الوباء ، وما صاحبها من مهام نهضت وما زالت بها حكومة الدكتور محمد اشتية.
رافق الوباء جملة من المهام والتحديات الوطنية في الصراع مع الاحتلال الصهيوني الذي لم يتوقف توسعه الاستيطاني ساعة واحدة عن العمل وانا شاهد عيان حي من منزلي الذي يعلو مستوطنة،، افني حيفتس،، المقامة على اراضي قرية شوفه من محافظة طولكرم. وشاهد على نشر فوضى العمال الذين رمتهم السلطات الإسرائيلية على قارعة الطريق بعد أن رفضت إجراء فحص الكورونا لهم داخل البلاد بزعم عدم وجود عينات فحص كافية.
لست ممن يرمون العدو بالاتهامات جزافا ولست ممن يعتقدون بانه يستغل الكورونا لإعادة نشر عمالنا المصابين بين صفوفنا، مع يقيني بان منهم من يرغب ويعمل لذلك، وحتما هذه ليست تبرئة لعدو لم تتوقف نشاطاته العدوانية والتوسعية لحظة واحدة، بما في ذلك اعتقال الناشطين المقدسيين لمحاصرة الكورونا كاعتقال وزير شؤون القدس فادي الهدمي ومحافظ القدس عدنان غيث. كما علينا مواجهة وباء الاحتلال علينا وضع الخطط العملية الحازمة جدا لمواجهة انتشار وفوضى وعفوية وقدرية عمالنا المطرودين لما يشكلونه من مخاطر جمة وراهنة، ولا مجال هنا لا للاخطاء ولا للمزايدات التافهة كحسن التعامل مع الطبقة العاملة!!.
وضعنا الفايروس مجددا أمام قضية الوعي، كما وضعنا امام اهمية الالتزام الصارم بالنظام وبالانظمة والتعليمات، فالوعي والنظام من مقومات المجتمعات الراقية المتقدمة.
ولاننا نعتمد وللأسف باقتصادنا على المساعدات الخارجية التي ستتعرض بعد الكورونا لهزات اضافية يجب علينا العمل لحماية الاقتصاد ومكوناته من مؤسسات وعاملين، وهناك خشية أن تصبح صحة الاقتصاد الوطني من أكبر ضحايا هذه الجائحة الصحية، وخصوصا المشاريع الصغيرة والمتوسطة وعمالها من ناحية، وموظفي القطاع العام من ناحيةٍ أخرى، الامر الذي يفرض علينا الاسراع لوضع الخطط التقشفية من قبل لجان اختصاص اقتصادية كفؤة
كما يقول الأطباء والمختصون، فان الأسبوعين القادمين حاسمان في تحديد مؤشرات المستقبل الصحي لشعبنا الذي يواجه بوعي نسبي وباء الكورونا الذي فرض نفسه على البشرية جمعاء .
أتطلع أن ينتهي هذان الاسبوعان بل وهذا الشهر كله بخسائر أقل وبنجاح مميز للشعب الفلسطيني في مواجهة الفايروس اللعين _ الذي قد يكون سببا لمستقبل فلسطيني جديد اذا ما تهاوى النظام العالمي الحالي المتوحش الذي يتزعمه الترامب الامريكي دولاند ترامب _ للنجاة أولا من خطر الفايروس، ولنؤكد ثانيا على رفعة وسمو المستوى الثقافي والحضاري الذي بلغه شعبنا الفلسطيني وبخاصة اذا ما نجحنا في ضبط حركة وصحة العمال الفلسطينيين العائدين من الساحل الفلسطيني.