بقلم: عيسى قراقع
عندما يصبح الكورونا سجانا وقاتلا للأسرى....
ستبقى روحي هائمة على الأرض تلاحقكم دون هوادة....
لا زالت المخاطر كبيرة في اقتحام فيروس كورونا صفوف الاسرى في سجون الاحتلال الاسرائيلي بعد ان اعترف الاسرائيليون بأصابة ضباط وسجانين ومحققين بهذا المرض وقيامهم بعزل عدد من الاسرى في سجن مجدو بسبب التقاءهم بالمصابين الاسرائيليين.
الجائحة العالمية للكورونا ليست لها حدود ولا حصانة ولا تنتظر امرا من احد، انها تتفشى وتصل الى كل مكان، وسجون الاحتلال من اكثر الاماكن عرضة للاصابة بهذا الوباء، انها دفيئات ناضجة للامراض الخطيرة حيث البيئة المغلقة والمختلطة والمزدحمة، انخفاض مستوى النظافة وسوء التغذية، الاهمال الطبي وسوء العناية الصحية، ضعف القدرات الطبية ونظام البنى التحتية للسجون، ضعف التهوية، انتشار الرطوبة والحشرات، سياسة نظام القمع والقهر النفسي والجسدي على المعتقلين وغيرها من الاسباب التي تجعل من انتشار الكورونا داخل السجون اسرع بكثير منه خارج السجون.
الواقع الصحي في السجون وبدون كورونا هو بالأساس مأساوي ولا يتلائم مع المعايير الدولية والطبية، فكيف اذا هبت رياح الكورونا داخل السجون على هذا الواقع الذي يفتقد للحد الادنى للعناية الصحية؟ ولعل استمرار سقوط شهداء كل عام بسبب الامراض الفتاكة هو دليل على سياسة اسرائيلية ممنهجة ومستمرة في الاستهتار بصحة الاسرى وتركهم فرائس للأمراض حتى الموت.
الكورونا اذا ما هاجم الاسرى سوف يجد 800 اسير واسيرة من المرضى والمصابين بامراض خطيرة ومزمنة، سيتمكن من حصد ارواحهم بسهولة لا سمح الله، سيجد الكورونا اطفالا قاصرين وكبارا في السن مشلولين ومعاقين، سيجد ان عيادات السجون غير مجهزة باللوازم الطبية الكافية، لا فحوصات استباقية للكشف عن الامراض، سيجد اطباء متدربين غير مختصين مشاركين في سياسة الاهمال الطبي، سيجد ما يسمى سيارة البوسطة المغلقة والقذرة هي من تنقل الاسرى الى السجون والمستفيات، سيجد انه لا مواد تنظيف ولا معقمات ولا اماكن ملائمة للحجر الصحي، هذا الكورونا سينتعش في السجون، لا رقابة دولية على الوضع الصحي للاسرى، لا معقمات ولا ادوية، وسيجد الكورونا نفسه أداة جديدة للفتك بالأسرى نيابة عن السجان.
مخاوف انتقال مرض الكورونا للاسرى دفع الامم المتحدة الى المطالبة بأطلاق سراح المعتقلين، لأنه اذا ما دب المرض في اجساد الاسرى وفي حيزات محشورة ومغلقة فقد يؤدي الى كارثة انسانية يصعب تداركها، هذا الاستشعار بالخطر دفع دولاً عديدة الى المطالبة باطلاق سراح اسراها، وفي ظل انتشار المرض بشكل متسارع داخل اسرائيل فأن هذا الخطر يزداد على الاسرى الفلسطينين، لا سيما ان الاسير يبقى وجها لوجه مع الاسرائيليين منذ لحظة الاعتقال، الجنود والمحققين وقضاة المحاكم والسجانين والاطباء.
تحذير الرئيس ابو مازن من تعرض الاسرى للاصابة بوباء كورونا وتحميل اسرائيل المسؤولية عن صحتهم وسلامتهم يأتي في ظل عدم قيام حكومة الاحتلال بأية اجراءات لضمان سلامة الاسرى والتعامل مع الاسرى كأنهم ليسوا من بني البشر، كأنهم خارج الزمان والمكان وغير موجودين، وهي رسالة عاجلة الى منظمة الصحة العالمية واطباء بلا حدود ونقابة الاطباء العالمية والصليب الاحمر الدولي للتدخل والتحرك لانقاذ الاسرى والتأكد من وجود اجراءات صحية حقيقية تحميهم من الاصابة بفيروس كورونا.
لا فرق بين فيروس كورونا والسجان، كلاهما يملك مفاتيح الزنزانة، وكلاهما يقتحم ويهاجم غرف واقسام واجسام الاسرى، كلاهما يمارس القمع الوحشي والجرائم الطبية والموت البطيء، وكلاهما يطفئ شموع الانسانية ويترعرع في الظلام، ومنذ سنوات طويلة والكورونا تنهش اجساد الاسرى بأشكال ومسميات عديدة، يدخلون احياء ويخرجون شهداء.
عندما يصبح الكورونا سجانا قاتلا ويهاجم الاسرى دون تدخل لحمايتهم، عندها قد يدرك ضمير البشرية ان السجن هو الوباء، الاحتلال هو الوباء، و انه لا تختلف انظمة وقوانين السجن عن انظمة وقوانين دولة الاحتلال ومؤسساتها المختلفة، الدولة التي تتنامى فيها كل الاوبئة العنصرية والفاشية وانتهاكات حقوق الانسان، الاسرى بالنسبة للاسرائيليين ليسوا حاضرين ولا غائبين، ليسوا احياء ولا امواتا، انهم منسيين تجاوزتهم الاشياء.
القلق الفلسطيني على صحة وسلامة الاسرى في ظل انتشار فيروس كورونا يستند الى تجربة طويلة ومعرفة الى أي حد لا تلتزم دولة الاحتلال بالقوانين الدولية ولا بأخلاقيات المهنة الطبية وقوانين السلوك الدولية في تعاملها مع الاسرى داخل السجون، هذا القلق على حياة الاسرى يدفع الشعب الفلسطيني الى توجيه نداء وصرخات انذارية الى المجتمع العالمي: لا تدعوا ذلك يحدث، لا تدعوا الاسرى الفلسطينيين تحت رحمة فيروس كورونا والاستهتار الاسرائيلي بصحتهم، لا تدعوا حرب الكورونا وحرب الطغيان الاسرائيلي تشتعل في السجون، لا تدعوا ذلك يحدث، الامر يتوقف الان عليكم.
احد الاسرى المرضى كتب من داخل السجن: لن اتوقف بعد الآن عن الصراخ حتى تأخذ العدالة مجراها، اينما كنت واينما حللت لن اتوقف عن الصراخ، ان لم يكن لدي قلم اكتب به او ورقة اسطر عليها فسأكتب بأظافري وسعالي على جدران سجني، فاذا تلفت اظافري ودميت اصابعي وتوقفت انفاسي ستبقى روحي هائمة على الارض تلاحقكم دون هوادة.