وكالات
قد يتساءل البعض باستغراب: العالم كله منشغل بجائحة الكورونا وتداعياتها الكارثية على كل الامم والشعوب، وانت منشغل بالمستعمرة الصهيونية(اسرائيل) وسياساتها وارهابها وجرائمها ضد الشعب الفلسطيني الذي هو ايضا تحت حصار ومداهمة الكورونا…؟!، بينما يقول لي البعض الآخر: ألم تتعب…ألم تمل من الكتابة عنها حتى في ظل هذا القلق والهلع العالمي….!؟.
في الرد على هذه التساؤلات وغيرها الكثير اقول: ان وباء الكورونا ووفقا لشهادات العلماء والتقارير الطبية المختلفة هو وباء عابر ومحدود لفترة زمنية قصيرة، بينما وباء الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وباء مزمن ومفتوح ومستمر منذ مطلع القرن الماضي، وتداعياته على الارض والشعب والتاريخ والحقوق تداعيات وجودية ومصيرية تلحق بالشعب العربي الفلسطيني نكبة وكارثة لا حدود لها.
وفي هذا السياق الاستعماري الاستيطاني الصهيوني حدث ولا حرج….؟!
فنحن في المشهد الفلسطيني الراهن امام ما يمكن ان نطلق عليه”الحرب الاستيطانية الثالثة-الاولى بدأت عام1948 والثانية بعد العدوان عام 1967-كم يوثق الكاتب توفيق ابو شومر” التي بدأت طلائعها منذ منتصف شهر ديسمبر 2018، ولكنها في سياق سلسلة متصلة من المعارك الطاحنة الوجودية على اهم موقعين في الضفة الغربية وهما: القدس والخليل، ولكن، وفي الوقت الذي يتسابق فيه بعض الزعماء والوزراء والمدراء وبعض المثقفين والاعلاميين والتجار العرب على التطبيع المجاني مع الاحتلال الصهيوني، سارع عدد كبير من أعضاء “الكنيست” والوزراء من حزب “الليكود” وأحزاب يمينية أخرى الى التوقيع على وثيقة تعهدوا فيها بدعم الاستيطان والعمل على بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية. ووفقاً لصحيفة “إسرائيل اليوم” فإن الحديث يدور عن وثيقة بادرت بطرحها حركة “نحلا” الاستيطانية، حيث تهدف إلى جمع تعهدات من وزراء وأعضاء كنيست بالعمل على توطين أكثر من مليونَيْ مستوطن في الضفة الغربية، ومن بين الوزراء والمسؤولين الذين وقعوا على الوثيقة: رئيس الكنيست -المستقيل-“يولي أدلشتاين”، والوزير “يسرائيل كاتس”، والوزير “يريف لفين”، والوزير “زئيف ألكين”، والوزير “جلعاد أردان”، والوزير “أيالت شاكيد”، والوزير “نفتالي بنيت”، والوزيرة “ميري ريغف”، والوزير “أيوب قرا”، والوزير “يوآف غالنت”.
ان الشعب الفلسطيني يواجه منذ سنوات تهديدا حقيقيا يطلقون عليه هناك في”اسرائيل” “دويلة المستوطنين اليهود في يهودا والسامرة”، اذ بدأ هؤلاء يهددون بالانفصال عن دولة “إسرائيل” وإقامة دولتهم الخاصة المستقلة، وذلك حسب زعمهم ردًّا على أي محاولة من الحكومة الإسرائيلية للانسحاب من الضفة في إطار التسوية الدائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
فقد كان المستعمرون المستوطنون اعلنوا في منشور حمل عنوان “إسرائيل أرضنا” عن “مسابقة لوضع نشيد قومي واختيار علم آخر لدولتهم، وسيمنح الفائز بأحسن تصميم للعلم والنشيد بجائزة نقدية”، وجاء الإعلان عن هذا المخطط في مقال في صحيفة يديعوت أحرنوت/كتبه الراباي شالوم دوف وولفا رئيس “الطاقم العالمي لإنقاذ الشعب اليهودي” وهي المنظمة التي شكلت خصيصًا لذلك، تحت عنوان “الزلزال المقبل”، وقال الحاخام شالوم دوف في بيان له “بعد موافقة إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية واقتراح قانون لتعويض المستوطنين تمهيدًا لإخلائهم: ف”إن الحل هو إعلان دولة-أو مستعمرة يهودية-اخرى- ذات حكم ذاتي في إطار المستعمرة الكبرى-اسرائيل-“.
وعن هذه الدولة كتب يهودا باور- في هآرتس”ان اسرائيل لا تسيطر على بضع مئات الآلاف من المستوطنين اليهود هناك، فهم يقبلون الحكم الاسرائيلي فقط اذا كان يصب في مصلحتهم، أما عندما لا يحدث ذلك وفقا لتصورهم، فهم يتجاهلونه في أحسن الاحوال وينجحون في مقاومتهم له في اسوأ الاحوال”، ويضيف :” الشرطة والسلطات الأمنية والجيش يخضعون لتهديد المقاومة النشطة المتواصل من قبل المستوطنين، ويخضعون لهذه التهديدات ، واصبح هناك دولتان، الاولى ملتزمة بالقانون الديمقراطي الغربي، والثانية بالحكم الديني المتطرف والخلاصي”.
اما الخبير بالشؤون العربية داني روبنشتاين فقد كتب بدوره في هآرتس-عن دولة المستوطنين يقول:”على خلفية اتفاق السلام مع مصر والانسحاب الاسرائيلي من سيناء أقام نشيط حركة “كاخ”، ميخائيل بن حورين، في الثمانينيات ما سماه هو ورفاقه “دولة يهودا”، وكان قصدهم رمزيا وهو الاشارة الى بديل ممكن عن السلطة الاسرائيلية في الضفة الغربية اذا ما انسحبت اسرائيل من المناطق وعندما تفعل ذلك، ولقّب بن حورين نفسه بلقب “رئيس دولة يهودا”، بعد ذلك كان من محرري كتاب “باروخ الرجل”، الذي امتدح القاتل في الحرم الابراهيمي باروخ غولدشتاين، وكان من أبطال البولسا دينورا ضد اسحق رابين”و”لكن-يضيف روبنشتاين- في العديد من الجوانب أُقيم في الضفة، برعاية حكومات اسرائيل وتشجيعها، كيان سياسي ذو طابع يخصه،أي أنه نشأ فصل حيث توجد دولة اسرائيل على حدة، والضفة أو دولة يهودا على حدة”.
ونحن هنا إذ نتحدث عن دولة أو جمهورية المستوطنين اليهود الإرهابية القائمة في أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل عام ، فإننا لا نبالغ في ذلك أبداً، ذلك أن المستوطنات اليهودية المنتشرة في أنحاء الضفة والقطاع عبارة عن ترسانات مسلحة أولاً، وعبارة عن مستنبتات أو دفيئات لتفريخ الفكر السياسي والأيديولوجي الإرهابي اليهودي ثانياً ، ودفيئات أيضاً لتشكيل وانطلاق التنظيمات والحركات الإرهابية السرية في نشاطاتها وممارساتها الإرهابية ثالثاً ، فضلاً عن كونها قوة ضغط هائلة على قرارات الحكومة الإسرائيلية ونهجها الاستيطاني والتنكيلي ضد الفلسطينيين رابعاً ، وذلك رغم الحقيقة الساطعة المتمثلة بالتعاون والتكامل القائم بين الجانبين ، فلا تعارض ولا تناقض قطعاً ما بين الدولة الإسرائيلية الرسمية بمؤسساتها وأجهزتها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والإدارية والمالية ، وسياساتها الاستيطانية ، وما بين دولة المستوطنين اليهود المنفلتة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وعندما نتحدث عن دويلة أو جمهورية-والاصح مستعمرة- المستوطنين اليهود، فإننا نتوقف عند حقيقة الصفات والخصائص الأساسية ومنها العنصرية والفوقية والإرهابية التي ميزت ودمغت الحركة الصهيونية والتنظيمات الصهيونية التاريخية، فمشروع الاستيطان اليهودي ترجمة صارخة للاستراتيجية الصهيونية على الأرض الفلسطينية ، ودولة المستعمرين المستوطنين هي نتاج عملي لتلك الترجمة.
وعندما نتحدث عن دولة المستوطنين اليهود، فإننا نتحدث عن … ، ونتوقف أمام ، مسلسل لا حصر له ، من الانتهاكات والممارسات الإرهابية الدموية التنكيلية والتدميرية الجامحة المنطلقة من صميم المستوطنات اليهودية … وكلها تجري بصورة سافرة تحت سمع وبصر وحماية الحكومة والجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية.
هكذا هي حقائق المشهد الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في الاراضي المحتلة حتى في ظل هذه الجائحة الكورونية العالمية.
والمؤسف هنا: انهم يعملون هناك في المستعمرة الصهيونية حتى في ظل هذا الوباء العالمي وعلى مدار الساعة من اجل تحقيق حلمهم باختطاف الارض والوطن والتاريخ والحقوق وتهويدها هكذا بفعل القوة والارهاب، بينما يهرول بعض العرب لمنحهم الاعتراف والغطاء والشرعية بالتطبيع معهم…؟.