بقلم د. محمد مشتهى
إن إبطال مفعول صفقة القرن هو من خلال إبطال مفاعيلها على الأرض، بمعنى مطلوب أن تكون قضية القدس وتفكيك الاستيطان وقضية اللاجئين حاضرةً في الخطاب السياسي الفلسطيني باستمرار، ومطلوب من غزة أن يكون حاضراً في خطابها السياسي أنه لا دولةً بغزةَ ولا امتدادٌ في سيناء بالإضافة إلى مقاومة الحصار؛ لذلك فإن صفقة القرن فقط تُفشَل بالمقاومة وليبقَ الامريكي "يجعجع" ويقول ما يشاء، المهم أن الفلسطيني لا يزال يقاوم في الميدان ولم يوافق على ملياراتهم أو صفقاتهم ولم ينسَ القدس ولا قضية اللاجئين.
في السابق كان هناك العديد من المشاريع التصفوية التي استهدفت المنطقة وكان هذا منذ الخمسينيات من القرن الماضي، ولم يتم تنفيذها ولم ينجح تمريرها، وصفقة القرن كذلك ليست قدراً مقدوراً على الشعب الفلسطيني، اذن نجاح أو فشل صفقة القرن مرهونٌ بمدى تمسك الفلسطيني بمقاومته وبأرضه وقدسه، وحتى الآن لا يوجد فلسطيني واحد يتعاطى مع صفقة القرن بإيجابية، حتى الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يُعتبر من دعاة السلام مع "إسرائيل" هو يقول: لا لصفقة القرن.
صفقة القرن فاشلة قبل أن يتم الإعلان عنها، فاشلة سواء بالمواجهة أو من غير المواجهة، وستفشل مثلما فشلت أوسلو، وأوسلو فشلت ليس بفعل المقاومة بالرغم من محاولات المقاومة المتكررة لإفشالها، بل فشلت بفعل الدبابة الصهيونية التي اجتاحت مناطق السلطة بالضفة وحاصرت رئيسها ثم قتلته.
العدو الصهيوني لا يريد إعطاء الفلسطيني لا أوسلو ولا حتى أقل من أوسلو، هو يريد اقتلاع الفلسطيني من أرضه وهذا هو موقفه السياسي الذي عبّر عنه في أكثر من مناسبة، حتى في الدعاية الانتخابية الصهيونية الأخيرة، حيث لا يوجد مرشّحٌ واحدٌ قال بأنه سيعطي الفلسطيني متراً واحداً من الأرض، فمنذُ متى العدو يعطي الأرض لخصمه بلا قتال؟ حتى صفقة القرن التي وضعتها وصاغت بنودها "إسرائيل" هي لن توافق عليها مستقبلا، لأنهم لا يريدون إعطاء الفلسطيني أي شيء، وفي المقابل فإن الفلسطيني لن يسمح بأن يُسجِّل عليه التاريخ أنه تنازل عن أرضه طواعيةً مقابل المال، وإن فلسطين بأقصاها وكنائسها بصفقة القرن أو بدون صفقة القرن وبأوسلو أو بدون أوسلو هي أرض محتلة ولم يتغير عليها شيءٌ، وإنه من غير المتوقع أن يقول العدو الصهيوني: نحن آسفين تفضلوا أيها الفلسطينيون لتستلموا مفاتيح القدس، وإن صفقة القرن بأقصى سقف سياسي تمتلكه لن تُلبّيَ واحداً في المليون مما تضمّنته أوسلو، وهذا تفسير الرفض لصفقة القرن من قبل الذين يؤمنون بالحل السياسي والتسوية السياسية، وإن الفهم السياسي السليم والموضوعي هو أن فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي قبل صفقة القرن وبعد صفقة القرن، بالإضافة إلى أن هناك اجماع دوليُّ وعالميُّ على أن صفقة القرن لا تُقدّم "حلاً عادلاً"، إذن ما الحل؟
الحل يكمن بالمقاومة والاشتباك مع العدو، لقد بات واضحاً أن صفقة القرن ستعود بالفلسطينيين إلى بدايات الصراع وإلى الطلقة الأولى وستعود بالفلسطيني إلى المشروع النضالي الأول لأنه لم يبقَ شيءٌ.
يتبقى على الفلسطيني ترتيب بيته من الداخل لمواجهة صفقة القرن وهو موحد بالحد الأدنى؛ لأن الوحدة الوطنية الفلسطينية هي رسالة للعدو والصديق والإقليم بأن الشعب الفلسطيني موحدٌ ضد صفقة القرن، ولمن يعتقد بأن هناك ثمة حلولٍ سياسيةٍ لاسترجاع فلسطين، فهذا لا يمكن أبداً، بالعكس تماماً فمنذ ثلاثين عاماً أو يزيد من اللهث وراء الحلول السياسية أصبح الفلسطيني خلالها أكثر تشتتاً، وإن الرهان على الحل السياسي هو رهانٌ خاسرٌ، والرهان فقط على المقاومة، وصحيحٌ أنه أحيانا تتعب الناس من استمرار المقاومة لكن الذي يريد أن يكون مناضلاً ومدافعا عن القدس أولى القبلتين ومسرى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- مطلوبٌ منه أن يتحمّل التضحية من أجلها، ولا توجد مقاومة على مدار التاريخ تَستفتي شعوبَها على ممارسة المقاومة من عدمه، لكن في المقابل مطلوبٌ ممن تحملوا عبءَ قيادة المقاومة ومن يمارسها في الميدان أن يكونوا بأخلاقهم وسلوكهم أقرب إلى أخلاق الصالحين بتجردهم وتسامحهم وتواضعهم وطُهرهم وزهدهم في الحياة وكل معاني الصلاح حتى يقف الناس خلفهم، ونحسب أن الكثير منهم كذلك، ومطلوب كذلك ألاّ يتجبّروا وألا يعيشوا بالترف بينما في المقابل الناس تفتقد إلى قوت يومها لأنه في النهاية كل ذلك ينعكس سلباً على المقاومة، لذلك مطلوب مقاومون بصفة الأصفياء الصالحين، ومطلوب أن يتم تعزيز صمود الناس من خلال الاهتمام بالجرحى والأسرى وعوائل الشهداء ومن تهدمت بيوتهم ثم منحهم الأولوية، وهذا هو المعنى الحقيقي للصمود، فالصمود ليس شعاراً وانما سلوك يُمارس على الأرض.