محمد عايش
إذا صحَّت التسريبات عن «صفقة القرن»، وطرح الأمريكيون خلال الأسابيع القليلة المقبلة حلا يتوافق مع تلك التسريبات فهذا يعني أن واشنطن وتل أبيب تريدان حلا يستبعد أي تسوية عادلة، أو منطقية لقضيتي القدس واللاجئين، كما يقوم على أن «لا دولة فلسطينية في الحال ولا في المستقبل»، خاصة أن ثمة إجماعا فلسطينيا تاما على أنه لا قيمة لأي دولة لا تكون القدس جزءا منها، ولا تكون القدس عاصمة لها.
مواجهة «صفقة القرن» يتطلب تحركا استثنائيا على المستوى الفلسطيني، خاصة مع تواطؤ دول عربية مهمة مع هذا الطرح الأمريكي الصهيوني، الذي هو في الحقيقة حل من طرف واحد، وتسوية إسرائيلية بحتة مدعومة من البيت الأبيض ليس أكثر. وهذه التسوية أو هذه «الصفقة» لن تنجح غالبا على المدى الطويل، وإن طأطأ العرب رؤوسهم في الوقت الراهن وسكتوا على هذه المهانة إلى حين.
باتَ واضحا، ومؤكدا أن أكبر الخاسرين من «صفقة القرن» هم الفلسطينيون والأردن، وما عدا ذلك فأغلب الدول العربية، إما مشغول بهمومه وأزماته الداخلية، أو متورط في المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية، ويريد تمريرها وشرعنتها، وهذا ما يُفسر الحصار العربي المفروض على الأردن والسلطة الفلسطينية، وهو حصار يعيد التذكير بحصار الشهيد ياسر عرفات في المقاطعة في رام الله عندما أمضى ثلاث سنوات وحيدا هناك، يواجه دبابات الاحتلال من دون أن يتلقى ولو اتصالا هاتفيا واحدا من أي زعيم عربي أو مسؤول دولي. «صفقة القرن» بتسريباتها الحالية تشكل تهديدا لمصالح الفلسطينيين الاستراتيجية، ونتائج نضالاتهم طوال العقود السبعة الماضية، كما أنها تشكل تهديدا للهوية الوطنية الأردنية وللسيادة الأردنية على الأماكن الدينية في القدس المحتلة، وهي سيادة تم تكريسها وتثبيتها في اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، واعتبر الأردن حينها عام 1994، أن هذا مكسب مهم تم تحصيله من تلك المعاهدة، إن لم يكن هو المكسب الوحيد منها. نحن إذن أمام تهديد وجودي للفلسطينيين والأردنيين معا، وهذا يتطلب تنسيقا بين الجانبين، من أجل مواجهة الصفقة التي تضغط دول عربية من أجل تمريرها، كما أن مواجهة هذه الصفقة يتطلب جملة إجراءات على المستوى الداخلي بالنسبة لكل من الفلسطينيين والأردنيين على حد سواء.
على المستوى الفلسطيني، لا يمكن مواجهة صفقة القرن من دون التوصل إلى اتفاق وحدة وطنية يُنهي الانقسام الداخلي، خاصة أن كل الأطراف الداخلية في فلسطين ترفض هذه الصفقة، وتتمسك بجملة ثوابت على رأسها القدس واللاجئون، هذا فضلا عن أن أخطر ما في الانقسام اليوم هو أنه يفتح ثغرة لطرف فلسطيني ثالث محسوب على دول عربية مؤيدة لصفقة القرن، وهذا يشكل تهديدا مشتركا لحركتي فتح وحماس في آن واحد. فلسطينيا أيضا يتوجب التلويح بحل السلطة الفلسطينية وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل عام 1994، إذ لا معنى لهذه السلطة إذا لم تكن خطوة باتجاه تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني، كما أن حل السلطة سوف يعيد الأعباء المدنية والخدماتية في الضفة الغربية إلى الاحتلال مجددا، وهو ما لا يريده الإسرائيليون.. وعلينا أن نتذكر دائما أن منظمة التحرير هي أهم وأسبق من السلطة، وهي السلطة العليا للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، والعودة إلى مربع المنظمة لا يمكن أن يكون تراجعا، بل هو عودة إلى المربع الأصيل بعد السنوات العجاف الماضية.
أما على المستوى الأردني، فمواجهة «صفقة القرن» يتطلب إعادة النظر كليا بالعلاقات الدولية، إذ لا معنى لعلاقات مع دول تعمل ضد مصالح الأردن وتحاصره اقتصاديا، وتريد منه الموافقة على صفقة تلغي هويته وتلغي سيادته على الأماكن المقدسة، هذا يعني بالضرورة أن مواجهة «صفقة القرن» يتطلب إعادة إنتاج العلاقات مع جملة من دول المنطقة الرافضة للصفقة وفي مقدمتها تركيا وقطر وإيران، إضافة إلى إعادة العلاقات مع حركة حماس وإعادة فتح مكاتبها، كونها أحد القوى الرافضة لهذه الصفقة والمتناقضة معها.
والخلاصة هنا، أن المنطقة برمتها ستتغير إذا واصلت الولايات المتحدة المضي قدما باتجاه تمرير «صفقة القرن»، وبينما تجري محاولات تغيير المنطقة، ويتم فرض حل جديد للقضية الفلسطينية، فليس أمام الفلسطينيين والأردنيين سوى التغير أيضا بما تمليه عليهم ضرورات المرحلة الجديدة.