| تحسين الحلبي
لا أحد يجب أن يشك في أن رئيس وزراء كيان العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يدرك سلفاً أن إعطاء الأمر باستهداف شخصيتين قياديتين في حركة الجهاد الإسلامي لا يمكن أن يمر دون قيام الحركة برد عسكري مباشر وسريع وبإطلاق الصواريخ على قوات الاحتلال والمستوطنات.
الاعتقاد السائد عند معظم المحللين الإسرائيليين الذين يعرفون نتنياهو وسياسته وأساليب عمله هو أنه أراد تحقيق عدد من الأهداف الداخلية والخارجية من هاتين العمليتين، فقد رأى مركز أبحاث هيرتسيليا الإسرائيلي في مقال نشره أمس تحت عنوان «ملاحظات على التصعيد» ضد غزة توضح الأهداف التي أراد نتنياهو تحقيقها من هذا التصعيد الذي بادر إليه هو دون الادعاء بأنه رد انتقامي على هجوم جرى من قطاع غزة ضد إسرائيل.
وأهم هذه الأهداف:
1- تخفيض خطورة تزايد القدرة العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي بشكل خاص بعد أن أصبحت تشكل تحدياً لا تتحمل إسرائيل زيادة قدراتها الصاروخية.
2- العمل على خلق أزمة داخلية في القطاع بين حركة الجهاد وحماس التي تتولى إدارة حكومة قطاع غزة وامتحان مدى قدرة حماس على الامتناع عن مشاركة حركة الجهاد بالقصف الصاروخي الذي نفذته رداً على تصفية اثنين من قادتها.
3 – تشويش الانتقادات التي وجهها حزب أزرق أبيض لحزب الليكود بعدم القيام بالمهام المطلوبة منه لإنهاء خطر صواريخ المقاومة في قطاع غزة.
ومع ذلك يرى عمير ليفي في المجلة الإلكترونية «ميدا» الصادرة بالعبرية، أن نتنياهو أراد أيضاً تخريب عملية تشكيل حكومة إسرائيلية ائتلافية بقيادة بيني غانتس رئيس حزب أزرق أبيض تؤيدها معظم مقاعد القائمة العربية الموحدة بموجب النقاش الجاري مع قادة هذه القائمة، لأن التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد قطاع غزة ومقتل الفلسطينيين سيحرج أعضاء هذه القائمة أمام جمهورها العربي إذا ما أيدوا حكومة برئاسة غانتس الذي أعرب عن دعمه لهذا التصعيد الذي يقوده نتنياهو، فالتصعيد سيؤدي إلى تخريب المراهنة على نجاح مساعي غانتس بالاعتماد على القائمة العربية، والآن أصبح النقاش الحزبي داخل إسرائيل يجري حول خيارين: إما حكومة يتحد فيها غانتس مع شروط نتنياهو، وإما إجراء انتخابات للمرة الثالثة سيقوم خلالها نتنياهو بتوظيف حربه على غزة للفوز بزيادة في عدد مقاعده البرلمانية، وفي كلا الخيارين سيجد نتنياهو نفسه رابحاً في الساحة الداخلية.
لكن السؤال الذي يستحق طرحه على هذه الاحتمالات أو الفرضيات هو : هل نجح نتنياهو أو أنه سينجح في تحقيق مثل هذه الأهداف الرئيسة من عدوانه المتصاعد ضد الشعب الفلسطيني والمقاومة في قطاع غزة؟
إن رد المقاومة وبخاصة حركة الجهاد الإسلامي التي استُهدف لها كادران قياديان يثبت أن اصطفاف جميع فصائل المقاومة في موقف واحد يشكل رداً يحبط سعي العدوان الإسرائيلي لخلق أزمة داخل ساحة المقاومة في قطاع غزة، كما يتبين أن المقاومة في قطاع غزة استمرت بالرد وتحقق لها النجاح في فرض ثمن لا تتحمله إسرائيل ولا حكومة نتنياهو في ظل سقوط الصواريخ على وسط وجنوب إسرائيل وتعطيل الحياة الروتينية والدراسية لأكثر من مليونين من الإسرائيليين لم يستطع الجيش الإسرائيلي حمايتهم ولا تأمين سلامتهم في هذه المجابهة، ناهيك عن الأهداف التي أصابها داخل إسرائيل.
وفي النهاية لن يحقق نتنياهو وحزبه سوى بعض المصالح الحزبية الداخلية التي تتمثل في دق إسفين بين خصمه غانتس رئيس حزب أزرق أبيض وبين القائمة العربية التي كان يراهن على دعم معظم أعضائها لحكومة ائتلافية أراد تشكيلها.
وبالإضافة إلى ذلك ما زالت قدرات فصائل المقاومة داخل القطاع تتمسك بإرادة مشتركة لا يمكن لأي فصيل تعريضها لمناورات إسرائيل ومؤامراتها لشق وحدة هذا الصف المقاوم وبخاصة قبيل احتمالات إجراء انتخابات فلسطينية في الأراضي المحتلة لمجلس تشريعي جديد جرت الدعوة إليها ولا يزال النقاش يجري حولها بين جميع الفصائل.
وفي النهاية لا بد أن تجد إسرائيل نفسها الخاسر الأكبر من هذا العدوان الذي سيرتد على نتنياهو نفسه في الأيام والأسابيع المقبلة، وسوف يجد أن عدوانه على سورية لن يوقف دورها ولا تزايد قدراتها مع محور المقاومة في التصدي لكل أشكال العدوان على أراضيها وسيادتها.