كثيرة هي الأحداث التي حشرت قيادة إسرائيل في الزاوية، منها ما قاله واكده المحلل السياسي الأميركي جيم دين أن الاسرائيليين بدوا وكأنهم حشروا في الزاوية ولا يستطيعون أن يفعلوا أي شيء من دون موافقة الولايات المتحدة الاميركية، موضحا انهم يريدون من الولايات المتحدة والدول الغربية أن تستمر في مقاطعة إيران.
وتابع دين : لكن هذه السياسة تبين انها لم تثمر على الاطلاق، والدول الغربية تريد الآن ان تدخل في صفقات مع ايران، و"اسرائيل" قد اقتنعت الآن بأن العالم كله قبل بهذه الاتفاقية، وهم الآن في حالة هستيرية.
الورقة الايرانية والتهديد في السابق بقصف مفاعلاتها النووية ومحاولة تشكيل محور معادي لها احدى الركيزتين اللتين أطالتا عمر نتنياهو وتحالفه القيادي ومع اتفاق جنيف الذي تم توقيعه بين ايران والدول الخمس زائد واحد وجدت القيادة الاسرائيلية نفسها وحيدة ومعزولة عن العالم. بل وعلى طريق التصادم مع اقرب حلفائها وهي الولايات المتحدة الاميركية بحسب ما جاء في محاضرة رئيس وزراء اسرائيل السابق أيهود اولمرت التي ألقاها يوم الأحد الماضي في المؤتمر الذي نظمه معهد أبحاث الأمن القومي بتل أبيب حيث شن هجوما على تصرفات نتنياهو وطريقة تعامله مع الملف الايراني وقال استفزازات نتنياهو ضد الرئيس الاميركي اوباما تعني اعلاننا الحرب على اميركا.
وصل الأمر بنتنياهو لدرجة التهديد بالقيام بعمل عسكري منفرد الأمر الذي اجبر وزير خارجية بريطانيا "وليم هيغ" الى التصريح والتهديد بشكل علني طالبا من اسرائيل عدم تجاوز الخطوط الحمر، مؤكدا أن بريطانيا تراقب عن كثب وتعرف كيف ومتى توقف أي محاولة لتخريب الاتفاق.
في السابق قالت رئيسة "كاديما" تسيبي ليفني "ان الغباء الدبلوماسي الذي يميز الحكومة الاسرائيلية يؤدي الى حشر الولايات المتحدة في الزاوية. وطالبت بالمبادرة فورا الى ما يسمى بـ"العملية السياسية" التي حاول بنيامين نتنياهو منعها وبالنتيجة وصل الفلسطينيون الى الأمم المتحدة. على حد قولها". وهو ما حشر القيادة الاسرائيلية في الزاوية ايضا. وهي ركيزة نتنياهو الثانية المفقودة لذلك يلجأ نتنياهو لاسترضاء حلفاؤه والتخفيف من اعتراض خصومه بالموافقة على بناء مزيد من الوحدات الاستيطانية فيجد نفسه تحت ضغوط متزايدة أخرى تحشره في الزاوية. وسيحشر أكثر اذا ما استأنف الفلسطينيون توجههم الى الأمم المتحدة أو الى عقد مؤتمر جنيف خاص للقضية الفلسطينية.
فشل نتنياهو المتتالي يدفعه للتفكير بتصدير ازماته عبر الحرب والعدوان وتغيير القواعد السائدة. متناسيا ان ذلك قد ولى عليه الزمن بدليل تصرفاتهم على الأرض عبر حربهم الشاملة ضد الفلسطينيين من تهويدهم للجليل وحربهم ضد بدو النقب عبر تهجيرهم ومخطط برافر بيغن وتصريحات ليبرمان العنصرية واعتبار الاحتجاجات حربا على اراضي الشعب اليهودي. وتصعيدهم المستمر في القدس والضفة والانتهاكات الخطيرة التي يرتكبونها من قتل واعتقال وتدنيس للمقدسات ودعم المستوطنين لقتل الفلسطينيين وتهديداتهم المتواصلة باعادة احتلال قطاع غزة اضافة لاعتداءاتهم المستمرة هناك، واهانتهم للدروز ومنع جنودهم من دخول مفاعل ديمونا، واعطاء التعليمات للموساد وللاستخبارات العسكرية بدمغ معلومات عن النووي الايراني بهدف اسقاط اتفاقية جنيف ومنع الرئيس الاميركي من أخذ موافقة الكونغرس. هذا التصعيد في الاتجاهات كافة دليل فقدان الأعصاب عند القيادة الاسرائيلية ربما يقودها للحرب والعدوان.
يغيب عن بال القيادة الاسرائيلية بأن حسابات الحرب اليوم تختلف عنها في السابق وفي مقدمتها صعوبة توفير الدعم الاميركي والغربي لأي عدوان في ظل السعي الاميركي للخلاص من ورطتهم في العراق وافغانستان وتوجههم للحلول السياسية بالطرق الدبلوماسية وعقد الاتفاقيات، وتغيير في الرأي العام العالمي تجاه اسرائيل بعد اعتداءاتها المستمرة وارتكابها جرائم الحرب والتي كانت تسوق نفسها انها المقموعة في المنطقة.
ومن الحسابات عدم ضمان الانتصار الذي اصبح صعب المنال نظرا لتراجع اداء الجيش الاسرائيلي وتدني الروح المعنوية عند أفراده الذي اخذ يستعين بالمرتزقة للقتال معه وعدم جاهزية الجبهة الداخلية وتطور اداء ومعدات اطراف الصراع، وما يزيد حساباتهم تعقيدا : القناعة التي تولدت في اوساطهم على أثر نتائج حروبهم الأخيرة بعدم جدوى الحلول العسكرية.
يقابل ذلك شعور القيادة الاسرائيلية بامكانية الفشل وخسارة الحرب والتخوف من عدم تحقيق اي انجاز اضافة الى عدم القدرة على اطفاء الحرائق الناجمة عن اي عدوان تزيد من الاخفاقات التي ربما تصل حد الهزيمة وتغيير كلي لقواعد اللعبة تكون فيها اسرائيل الخاسر الأكبر، تؤدي الى فقدان ما تبقى من حلفاء وعدم قدرتهم على دعمها، ومن هنا يأتي التناقض في تصريحاتهم عن ماهية الحرب التي يهددون بها، فتارة يريدونها حاسمة سريعة ونتائج ملموسة، باستخدام الذراع الطويلة والقوة التدميرية الهائلة، وتارة يطلبون اعادة احتلال وقتال من بيت لبيت وتدمير للأنفاق، ومن هنا نلمس الارتباك في تصرفاتهم والقلق من المجهول القادم اليهم رغم مكابرتهم بغير ذلك.
لكن ذلك لا يعني بالمطلق ان لا تتعامى قيادة اسرائيل وكعادتها عن كل هذا وتدير ظهرها للحقيقة وتذهب الى مغامرة عسكرية غير محسوبة وتوسع عدوانها بغطاء من تحالف نتنياهو المتطرف.