بقلم:عوني صادق
قبل الإعلان عما سمي «صفقة القرن»، كانت قرارات إدارة دونالد ترامب الأمريكية بشأن القدس والمستوطنات وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
وقبل قرارات ترامب والإدارة الأمريكية، أو متزامنة معها، كانت «قوانين» نتنياهو التي صادق على بعضها الكنيست، وما زال بعضها ينتظر التصديق (قانون يهودية الدولة، وقانون القومية، وقانون فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية).
وواضح أن الخطوات التي تتخذها إدارة ترامب ليست سوى تبنٍّ، دون تحفظ، لما تقرره الحكومة الإسرائيلية. وسابقاً ولاحقاً لكل تلك القرارات، يأتي تنفيذ الإجراءات التي تقدم عليها سلطات الاحتلال، والتي تمثل خطوات عملية للهدف النهائي، وهو ضم الضفة الغربية، واستكمال استملاك كامل فلسطين الانتدابية.
وتأتي عمليات تسريع الاستيطان، ومصادرة الأرض، وهدم البيوت، بمثابة الخطوات العملية لتحقيق الهدف، ودون انتظار للخضوع للإدارة الأمريكية، والقبول ب«الصفقة»، ولتتحول «الصفقة» لمجرد إعلان أو توقيع لما يتحقق على الأرض!
بتاريخ 4 يوليو/تموز الجاري، أخطرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أصحاب (100) شقة قائمة في (16) بناية في حي وادي قدوم ببلدة سلوان بالهدم، كما أخطرت مئات آخرين من أصحاب البيوت في وادي حلوة وبطن الهوى وحي البستان وسلوان، بزعم عدم حصولها على تراخيص بناء، وعلى أراض تخص جمعيات استيطانية! ولأنها تشكل خطراً أمنياً على «الجدار العازل»!
وفي 22 تموز الجاري، شرعت قوات الاحتلال الإسرائيلي عمليات الهدم في حي وادي الحمص ببلدة صور باهر، بعد أن أعلنت البلدة «منطقة عسكرية مغلقة»، وحاصرتها بوحدات من الكوماندوس، وقامت بإخلاء البيوت من أصحابها. جاء ذلك بعد أن أعطت «المحكمة العليا الإسرائيلية» الضوء الأخضر بالهدم وأعطت مهلة لإخلاء البيوت حتى 18تموز، وبعد أن رفضت التماساً طالب فيه أصحاب البيوت بتجميد الهدم.
جدير بالذكر أن الشقق التي تم هدمها فعلاً تقع في منطقة (أ) الخاضعة للسلطة الفلسطينية، حسب الاتفاقات الموقعة في «اتفاق أوسلو»، وحاصلة على تراخيص بناء من وزارة الحكم المحلي الفلسطينية. ويقول وليد عساف، رئيس «هيئة مقاومة الجدار»، إن هدم هذه الشقق يمثل «مرحلة أولى من سيناريو أوسع وغير مسبوق»، يستهدف «إيجاد منطقة عازلة تفصل القدس عن بيت لحم، وتمنع التواصل مع مناطق الضفة الغربية»
في الوقت نفسه، قال محافظ بيت لحم، كامل حميد، إن ما يجري ليس عمليات هدم بيوت فحسب، وإنما عملية إعادة احتلال واضحة لمنطقة (أ)، (يذكر أن أهالي وادي الحمص كانوا قد تقدموا العام 2003 بالتماس ضد مسار الجدار العازل لأنه يمر في وسط قرية صور باهر). وفي الوقت الذي دعا فيه المسؤولون الأمميون (المنسق الإنساني جيمي ماكجولدرياك، ومديرة عمليات الضفة العربية في وكالة الأونروا غوين لويس، ورئيس مكتب مفوض الأمم المتحدة جيمس هينان) سلطات الاحتلال إلى تجميد عمليات الهدم، دعوا إلى تنفيذ «سياسة عادلة تمكن الفلسطينيين من الوفاء باحتياجاتهم بما يتماشى مع الالتزامات المترتبة عليها بصفتها القوة المحتلة»! (عرب 48- 21/7/2019).
وما يدل على أن سياسة هدم البيوت هي «سياسة شاملة» لكل المناطق والأراضي التي لا تزال في أيدي الفلسطينيين، وأن المطلوب هو وضع اليد على فلسطين كلها، أن هذه السياسة نفسها تنفذ بأساليب أقسى في النقب.
وفي السنوات الأخيرة، ضاعفت سلطات الاحتلال من سرعة وكثافة هدم البيوت خصوصاً في القرى «غير المعترف بها». ويتفاخر وزراء نتنياهو بما «أنجزوه» في هذا المجال، وعبر عنه الوزير أوري أرئيل! وقد تم في العام 2018 هدم (2775) بيتاً في النقب. ويضاف إلى عمليات الهدم إجبار أصحاب البيوت على هدمها بأيديهم، وإلا يدفعون غرامات باهظة تزيدهم فقراً على فقر! والهدف إجبارهم على إخلاء بيوتهم والمساومة على أرضهم في صفقات تديرها «سلطة تطوير النقب». وقد بلغ عدد عمليات الهدم الذاتية في العام 2018 (1579) بيتاً، و(746) بيتاً في العام 2016، و(716) بيتاً في العام 2015، مقارنة ب(367) بيتاً في العام 2013.
لقد كانت ردود الفصائل الفلسطينية، وردود السلطة الفلسطينية، على عمليات الهدم في وادي الحمص «غاضبة»، باعتبارها «عملية تطهير عرقي ممنهجة تأتي في سياق سياسة التهويد الجارية على قدم وساق»، ودعا البعض إلى أنها ستقابل «بمقاومة شاملة».
والأصح أن يقال إنها يجب أن تقابل ب«انتفاضة شاملة» بالنسبة لفصائل المقاومة، وبإسقاط «اتفاق أوسلو» والتزاماته بالنسبة للسلطة الفلسطينية.
إن سياسة هدم البيوت، وتكثيفها وتسريعها والطابع الشمولي الذي تتخذه، لا تستهدف مدينة القدس وحدها، بل تمهد لضم الضفة الغربية كلها، وتنفيذ بنود «صفقة القرن» تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية واستملاك فلسطين كاملة غير منقوصة!