محمد خالد الأزعر
في الثالث والعشرين من يونيو الماضي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عبر موقع «تويتر» حرفياً «قمت اليوم بجولة ميدانية مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون في غور الأردن؛ وقلت له إن موقفنا بأن أي سلام مستقبلي يجب أن يضمن استمرار التواجد الإسرائيلي هنا. وذلك لأجل ضمان أمن إسرائيل وأمن الجميع».
الظاهر أن التغريد على «تويتر»؛ بات أحد أهم المصادر المعتمدة للإعلان الموجز عن نيات رأسي السلطة في واشنطن وتل أبيب إزاء الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة.. ففي العشرين من مارس الماضي، غرد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الموقع ذاته قائلاً بأنه «حان الوقت للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان؛ التي لها أهمية حيوية لدولة إسرائيل والأمن الإقليمي». وبعد خمسة أيام بالتمام ترجم ترامب تغريدته إلى قراره الشهير؛ الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، بشأن رؤية بلاده لمستقبل الهضبة السورية المحتلة منذ 1967.
أكثر من ذلك لفتاً للانتباه واستخلاص العبر، أنه قبيل قرار ترامب بوقت قصير، اضطلع نتنياهو بمهمة الدليل السياحي لوفد من الكونجرس الأمريكي كان في زيارة للجولان. ومن على سطح الهضبة راح يشرح للزائرين أهميتها الاستراتيجية لأمن إسرائيل ويشنف أسماعهم بالمزاعم الصهيونية معتبراً إياها (جزءاً من أرض إسرائيل بدليل العثور على قطع أثرية يهودية فيها». تماماً كما جرى لاحقاً مع بولتون. ولا يبقى لإثبات التماثل الكامل بين واقعتي الجولان وغور الأردن، سوى أن يعزز الإسرائيليون روايتهم تجاه الغور بالحديث عن إيجادهم آثاراً يهودية هناك !.
من باب الاستطراد الواجب هنا، نذكر بالتعليق الساخر لأحد الباحثين «لو كانت ملكية الأقاليم تتوقف على منطق الآثار والحفريات، لأصبح من حق روما اليوم فرض سيادتها علي نصف قارتي آسيا وأفريقيا»!.
عندما يبوح نتنياهو بنيته تجاه الجولان وغور الأردن، يبدو كمن يعيد إنتاج العجلة. فمطامع دولته لابتلاع المنطقتين في جوفها الاستيطاني، تعد من الثوابت التي خطها أسلافه منذ سكتت المدافع عام 1967. هو مثلاً يستحضر إلى الذاكرة مشروع ييجال ألون للتسوية في أغسطس من ذلك العام؛ الذي اقترح أن يكون منتصف البحر الميت خطاً للحدود الإسرائيلية الأردنية بحيث تضم إسرائيل قطاعاً عرضه 15 كيلومتراً على طول وادي الأردن وصولاً للبحر الميت، مع إخلائه من السكان العرب. ثم إن الرجل يستحضر أيضا قرار تل أبيب بضم الجولان عام 1981.
المدهش أن ذريعة هذا التوجه التوسعي الاستيطاني الاحتلالي، كانت عند آلون قبل نصف قرن وزيادة، هي بعينها الذريعة التي يستعصم بها خلفه نتنياهو راهناً. ضمان أمن إسرائيل. نحن إزاء قديم يعاد وليس جديداً يبتدع. فكل من الرجلين، على بعد الشقة الزمنية بينهما، يتوارى خلف نظرية عسكرية تقادمت منذ عشرات السنين، وموجزها أن الأمن يتحقق عبر الموانع الطبيعية، كالأنهار والجبال والقنوات والصحارى الممتدة.. هي عموماً فكرة الأمن القائم على المجال الحيوي والعمق الاستراتيجي الطبيعي أو المصطنع، وليس على توازن الحقوق والمصالح ومعاهدات السلام والاحتكام للقوانين والقرارات الدولية..
مثل هذه الأفكار لا تصدر إلا عن عقول استراتيجية معطوبة أو دوجمائية؛ لا تتأمل في تطور وسائل القتال؛ التي أضحى بوسعها انتهاك أمن إسرائيل بين النهر والبحر بكل سهولة. بما لا ينفي عن منطقة الغور أي تأثير أمني مطمئن بالمطلق.
لا نعتقد أن زعماء إسرائيل على هذا القدر من التهافت العقلي. انهم يدركون أن مطامعهم في الغور لا تتصل خطياً بتميمة الأمن المتقادمة، وأن التفسير الصحيح لسيولة لعابهم تجاه هذه المنطقة يكمن في مزاياها الاقتصادية. الحديث هنا يدور حول زهاء 1.6 مليون دونم من أخصب الأراضي؛ وتحوي موارد معدنية كما تعد بآفاق استثمارية وصناعية مشرقة، وتمثل عموماً سلة الغذاء والاحتياطي الاقتصادي الأكبر لدولة فلسطين حال استقلالها.
الشاهد في كل حال أن تغريدة نتنياهو بشأن الغور، بعد جولته هناك بصحبة بولتون، تنذر بإلحاح فكرة التعجيل بإعلان ضم هذه الأيقونة الفلسطينية إلى إسرائيل، بعد ضمان التأييد الأمريكي لهكذا خطوة توسعية.. السوابق تشي بذلك؛ ولذا لزم التنويه.