عبد الستار قاسم
هل هناك سياسة تقشف فلسطينية؟ لم أسمع عنها إلا من خلال أحاديث جانبية وليس من تصريحات سياسية أو وسائل إعلام. لم يتم الإعلان عن سياسة تقشف سوى ما تم إعلانه حول عدم القدرة على دفع الرواتب للعاملين الحكوميين كاملة. وحتى خفض النسبة المدفوعة من الرواتب لم يكن ضمن سياسة تقشف بقدر ما كان بسبب عدم توفر الأموال.
وقيل إن رئيس السلطة غير الشرعي قد اعترض على رفع رواتب الوزراء لأنه يتبع سياسة تقشف. طبعا ووفق قدراتنا المالية في فلسطين كان من المفروض أن نتبع سياسة تقشف وبناء اقتصاد مقاوم منذ أن قامت السلطة الفلسطينية. بل والمفروض أنه تم تبني هذه السياسة منذ احتلال عام 1967، لكن منظمة التحرير الفلسطينية لم تكن تصغي للأفكار الاقتصادية التي يمكن أن تحقق للفلسطينيين بعض الإرادة السياسية الحرة.
ردا على العقوبات الأمريكية
الآن وبعد أن اتخذت الولايات المتحدة عدة قرارات مالية لمعاقبة الشعب الفلسطيني، أصبح من الملح اتباع سياسة تقشف للتقليل على الأقل من آثار العقوبات الأمريكية. سياسة التقشف هذه تتطلب مراجعة لإنفاق الحكومة ومراجعة أيضا للحياة الاستهلاكية للشعب الفلسطيني ولعقلية الاستثمار والتنمية. من الزاوية الرسمية، مطلوب أشياء كثيرة تصعب الإحاطة بها، لكن أقدم هنا بعض المجالات التي يجب أن تتحمل سياسة تقشفية:
يجب قطع رواتب الموظفين الذين لا يعملون. هناك آلاف الموظفين الذين هم متطفلون يعيشون على حساب الشعب الفلسطيني دون أن يقدموا أي خدمة لهذا الشعب.
مطلوب التخلص من أغلب السيارات الحكومية التي تكلف الشعب الفلسطيني كثيرا، بخاصة أنه يتم سوء استخدام لهذه السيارات، والكثير منها لا يتم توظيفه للقيام بالعمل.
لا ضرورة لأجهزة أمنية تخدم الأمن الصهيوني. الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وقوات الأمن الوطني لا تستطيع الدفاع عن الشعب الفلسطيني. الشعب بحاجة لقوة شرطة فقط للسهر على الأمن المدني، وهناك حاجة ماسة لزيادة أعداد أفراد الشرطة لكي يقوموا على تنظيم النشاطات المدنية. ويمكن تحويل العديد من رجال المخابرات الفلسطينية والأمن الوقائي إلى جهاز الشرطة، مع ضرورة تغيير قياداته.
من المهم تخفيض مبالغ النثريات التي تصرف للمسؤولين في مختلف المؤسسات. النثريات تشكل مبالغ كبيرة، ويمكن اختصارها إلى ثلث ما يتم إنفاقه الآن.
ضروري التوقف عن صرف مياومات لمن يقومون بمهمات خارج الضفة الغربية. هؤلاء سفرياتهم كثيرة، والأموال التي ينفقونها يجب توظيفها لخدمة الشعب.
التوقف عن الحجز في الفنادق، والمفروض أن تقتدي الوفود الفلسطينية بالفياتناميين الذين كانوا ينامون لدى طلاب فياتناميين في باريس عندما كانوا يفاوضون الأمريكيين. ونحن نعلم أن أعضاء الوفد الفلسطيني يغضبون إذا لم تتم الحجوزات الفندقية في فنادق خمسة نجوم.
موائد السلطة الفلسطينية يجب أن تخلو من اللحوم الحمراء، ويجب التركيز على الدواجن فقط دون السمك. ويجب تقليص هذه الموائد وتقليص أعداد المدعوين.
تخفيض رواتب العديد من المسؤولين، وعدم إعطاء أموال تقاعد لمن لهم وظائف في مؤسسات وشركات خاصة. وتقليص أعداد المرافقين والامتيازات التي يتمتع بها المسؤولون.
منع المواكب الرسمية لأنها لا ضرورة لها ولا تخدم سوى عنجهية وصلف المسؤول، ولا تعكس إلا عقده النفسية.
التوجه نحو التوفير من أجل التنمية بخاصة في مجال الزراعة. وضروري تعديل العديد من القوانين الفلسطينية الخاصة بالأراضي للتسهيل على الناس استثمار أراضيهم. القوانين المعمول بها حاليا غير صالحة وتعرقل الاستثمار وتخدم الاستيطان.
ضرورة تطوير برامج توعوية وتثقيفية حول الإنفاق المنزلي، وتشجيع الناس على تقليص استهلاكهم من أجل توفير بعض المال للاستثمار.
تشجيع الإبداع والابتكارات مثل تطوير حنفيات (صنابير) وأجهزة توفير المياه لنتمكن من زيادة المساحة الزراعية.
مراجعة سياسة الاستيراد من الخارج ومن الكيان الصهيوني. سياسة السلطة الاقتصادية عطلت المنتجين الفلسطينيين من مزارعين ونساجين وخياطين وحدادين ونجارين ونعالين. المفروض الحد من الاستيراد بطريقة أو بأخرى ودفع الناس نحو شراء المنتج المحلي، ومراقبة هذا المنتج من أجل أن يتطور نوعا وينخفض ثمنه.
العمل بجد على تخفيض الأسعار وتخفيض الاستهلاك وذلك برفع مستوى العرض، وتخفيض الرسوم الجامعية والرسوم على المعاملات الرسمية لكي يتمكن المواطنون من توفير بعض أموالهم للاستثمار.
ضروري إلغاء اتفاق باريس الاقتصادي، والتوجه نحو النضال ضد الممارسات الاقتصادية الصهيونية التي تعرقل المسيرة الاقتصادية الفلسطينية. نحن لا نريد وقودا من الصهاينة، وإنما من الأردن ومصر.
ولا نريد استعمال العملة الصهيونية وإنما العملة الأردنية والمصرية. هذه أمور لا تمر بسهولة وتتطلب نضالا ضد التعنت الصهيوني. لكن المسؤول الفلسطيني الذي لا يريد خوض النضال عليه أن يجلس في بيته.
المفروض أن يسهر المسؤول للتفكير في كيفية تحصين الشعب الفلسطيني غذائيا وأمنيا، وليس على كيفية إرضاء الصهاينة.
فيما يتعلق بالمياه، من المفروض حفر آبار جمع مياه الأمطار على الطريقة الرومانية لتوفير مياه للري. ويستحسن إقامة بعض السدود حيث أمكن بين جبال الضفة الغربي.
تطوير وسائل وأساليب الزراعة البيئية. وهذا ممكن بقدرات علمية وموارد بسيطة. وهنا نستفيد من خبرات الكوبيين والفياتناميين والكوريين.