رأي الاستقلال
يميل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى تصدير عناصر الأمن الفلسطينية للتحكم في مفاصل السلطة والتحكم في سياساتها وقيادة أي حكومة فلسطينية قائمة, فهؤلاء وأغلبهم من «السماسرة والتجار» يعزفون على وتر الرئيس ويزينون له مواقفه السياسية ويصفقون مع المصفقين, ويتشكلون على كل لون ودين وفق رؤية سيادته ومنطق سيادته وتقديرات سيادته لكافة الأمور السياسية والأمنية والاقتصادية, فهم يعلمون جيداً من أين تؤكل الكتف, ولا يعنيهم إلا مصالحهم الشخصية وتحقيق مكاسب ذاتية, والصعود على رقاب الشعب الذي يدفع كل يوم من دمه وماله وقوت يومه من أجل حياة كريمة فوق تراب وطنه السليب.
بالأمس سمعنا عن قبول رئيس السلطة الفلسطينية استقالة السيد ناصر القدوة من اللجنة المركزية لحركة فتح, احتجاجاً على نتائج ومخرجات اجتماع المجلس الوطني الأخير, كما أمر سيادة الرئيس عباس بإقالة القدوة من رئاسة مؤسسة ياسر عرفات آخر معاقل ناصر القدوة كما ذكرت وكالة سما الإخبارية بالأمس. وقبلها بيوم واحد أقال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وزير هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع، وعيّن اللواء قدري أبو بكر بديلا منه في رئاسة الهيئة, وجاءت الإقالة بسبب مواقفه الداعمة للأسرى، حيث كان من المعارضين بشدة للعقوبات التي فرضها محمود عباس على غزة, والتي شملت قطع رواتب بعضٍ من أسراها حيث طالب في مقابلة إذاعية مع شبكة «أجيال» في رام الله قبل أربعة أيام بإعادة رواتب أسرى غزة المقطوعة، ووصف العقوبات على غزة بالمجحفة. كما كشف عضو المجلس الثوري لحركة فتح مدير مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى في غزة محمد النحال (أبو جودة) لوكالة صفا أمس الثلاثاء، عن إحالته للتقاعد على خلفية احتجاجه على إدارة ملف مكرمة حج أهالي الشهداء في قطاع غزة, وقال: «تم إحالتي إلى التقاعد يوم الخميس الماضي بعد احتجاجي على إدارة الملف (مكرمة حج أهالي الشهداء) وبعض التدخلات».
كما أصدر الرئيس عباس مرسوماً بإقصاء تيسير خالد عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين من موقعه في دائرة شؤون المغتربين وتوليه إدارتها, وكشفت الجبهة الديمقراطية عن مذكرة سياسية قدمتها للرئيس عباس في (26/7/2018) وصفت فيها الأسلوب الذي أدار به مسألة دائرة المغتربين في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية «بالتفرد والانفراد والهيمنة»، كما وصفت اللغة التي برر بها مواقفه بأنها «لغة السيطرة والإقصاء»، وفق البيان.
وكان رئيس السلطة الفلسطينية أصدر قراراً بإقالة مفوض عام التعبئة والتنظيم لحركة فتح في المحافظات الجنوبية د. زكريا الأغا وتعيين عضو اللجنة المركزية للحركة صخر بسيسو كمفوض عام للتعبئة والتنظيم لحركة فتح في المحافظات الجنوبية, وذلك على خلفية مطالبة الأغا برفع العقوبات عن قطاع غزة, وإعادة رواتب الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم من رام الله وأن مثل هذه العقوبات أثبتت فشلها ولم تخدم حركة فتح.
إن سياسة الإقصاء التي يمارسها رئيس السلطة الفلسطينية لن تنقذه من الانتقادات التي توجه لسياساته, والمقربين منه سرعان ما سيتخلوا عنه عندما يقع فريسة لسياساته الخاطئة سواء بإفشال المصالحة, أو رفع العقوبات عن غزة, أو إعادة رواتب الموظفين, أو إدانة المقاومة, والتمسك بالسلام كخيار استراتيجي لا بديل عنه, واعتبار التنسيق الأمني مع الاحتلال مقدس, هذه السياسات الخاطئة سوقتها بطانة السوء, وروجت لها واعتبرتها ثوابت لا بديل عنها, إنها بطانة السوء التي ترافق الحكام في كل زمان ومكان, والتي يجب التخلص منها في أسرع وقت, فالأمور لا تحتمل وفلسطين في حاجة لكل أبنائها المخلصين, عليك سيادة الرئيس أن تختار الأصلح وتضع الرجل المناسب في المكان المناسب, ولا تنظر لمن يصفق ويطبل لسياساتك, بل انظر لمن يقدم إليك النصيحة ويصوب قراراتك ويصحح بوصلتك فهذا يمكنك أن تراهن عليه دائماً لأنه جدير بالاحترام, أما الآخرون «تنابلة السلطان» الذين يطبلون ويهللون فإنهم سراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.