بقلم:علاء الدين أبو زينة
تعب الناس حقا من الشلل الذي أصاب المشروع الوطني التحرري الفلسطيني في العقود الأخيرة.
وأصبح واضحاً أن هذا المشروع ضرب الحائط واختلطت عليه السُّبل.
ولا عدد للتحليلات والاقتراحات التي يقدمها مهتمون ومتابعون لمحاولة تفكيك المأزق، لكن القيادات الفلسطينية التي تدور حول نفسها في حيز ضيق أصيبت بالدوار وغامت أبصارها بحيث لا ترى الاقتراحات ولا تقوى على اجتراح شيء من التجريب. وبالتدريج، تحول الحراك الفلسطيني، بسبب سوء الإدارة، من الفعل، إلى بعض الفعل، إلى رد الفعل المطلق – أو حتى عدم رد الفعل.
كان أبرز التطورات الخاصة بالقضية الفلسطينية في العام الماضي هو حديث "صفقة القرن" التي يفترض أن فريق ترامب من الصهاينة يُعدها لإنهاء الآمال الفلسطينية.
وكان التجلي العملي المتصل هو نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة والاعتراف بها عاصمة للكيان –في انصراف وقح لا يحتاج إيضاحا عن حل الدولتين -واتفاق أوسلو كآلية لتطبيقه. وقد أضاف هذا الحدث الكاشف فحسب إلى مظاهر موت "أوسلو".
ترافق عمل "صفقة القرن" مع تحركات أميركية لإشراك أطراف عربية نافذة في المشروع وفرضه على الفلسطينيين. وكانت الأخبار السيئة هي ما تسرب عن شراء هذه الأطراف لمشروع كوشنر وفريقه بداية. لكن الأخبار التي قد تكون جيدة، هي أن ترامب لم يعلن عن صفقته، ربما لقناعة بأن الوضع –بكل ما فيه من تأزم الفلسطينيين وقبول العرب المهمين- لم تنضج بما يكفي لتحييد الفلسطينيين والشعوب العربية وفرض نهاية غير عادلة للصراع عليهم.
في الجانب آخر، شهد العام انطلاق "مسيرات العودة الكبرى" في قطاع غزة المختنق، في دلالة على تمسك الفلسطينيين بحقهم في العودة إلى الوطن. كما تواصل الجهود العبثية للمصالحة بين القيادتين الفلسطينيتين المتعاديتين في رام الله وغزة. ولم تتأسس هذه الجهود –التي ترعاها جهات غير بريئة- على عنوان الخروج من الأزمة الفلسطينية والتوحد حول مشروع نضالي تقدمي مدروس، وإنما تأسست على انتزاع تنازلات من طرف لحساب طرف.
ومن المحبط بما يكفي رؤية قيادة تعكف على تجويع وحصار مواطنيها، من أجل حسابات لا تخدم أي مصلحة وطنية.
الحقيقة هي أن العضو الوحيد الذي ما يزال يركل من جسد أوسلو المحتضر هو السلطة الفلسطينية في رام الله. وهي ليست حية بهذا الحد الأدنى بفعل عملياتها الحيوية الذاتية، وإنما بأجهزة إعاشة تديرها جهات تديم الحياة على هذا النحو لغايات لا تخدم الفلسطينيين على الأغلب –ليس أقلها مواصلة إشاعة وهم المفاوضات، والوظيفة الأمنية، وتغطية توسيع المستوطنات والاحتلال، وربما التوقيع نيابة عن الفلسطينيين على وثيقة إغلاق المشروع الوطني الفلسطيني.
يصعب مطالبة القيادة الفلسطينية المعترف بها دولياً بدعم المقاومة وتصعيدها، وإصلاح الأطر الديمقراطية وإشراك الفلسطينيين في الشتات في مشروعهم الوطني. لكن من المنطقي مطالبتها بالعمل الوحيد الذي تتيحه لها مكانتها الدولية: مقاضاة العدو الصهيوني في الهيئات والمحاكم الدولية على جرائم حربه، بلا كلل ولا وجل، خاصة بعد أن لم تجلب المهادنة والهوان شيئاً.
ويُعتقد بأن هكذا جهود تشكل كابوسا مرعبا لكيان الاحتلال. ليس من المفهوم أن يوفر طرف في صراع وجودي استخدام كل وسيلة تؤلم العدو وتصنع له كابوسا – اللهم إلا إذا حسبت القيادة الفلسطينية أن هذه قد تكون “ضربة مقفي”، باعتبار أن الكيان سيرد بمضايقة السلطة الفلسطينية أو حلها.
وهو خيار جدلي، بالنظر إلى أن حل السلطة يضر بالكيان، ويعيده إلى مربعه الذي ينبغي أن يكون فيه بلا غطاء –كيان احتلال مُجبر على تحمل الكلف المادية والقانونية والأخلاقية لاحتلاله، بلا ذرائع وادعاء بمفاوضة نظير –”دولة”- فلسطينية؟ ربما يعتبر البعض الخروج من جثة أوسلو ورفع الأجهزة عن تجليها الحي الوحيد المتبقي –السلطة- هدراً لمكتسبات فلسطينية. لكن وصف شل المشروع الوطني التحرري الفلسطيني هكذا لعقود بأنها مكتسبات، قد يتجنى على الحقيقة.
ربما حان الوقت ليجرب الفلسطينيون شيئاً “متطرفا”؛ إلقاء صخرة كبيرة في المياه الآسنة. وإذا لم يكن ذلك جهداً مخلصاً لتوحيد الشعب الفلسطيني كله على أساس برنامج مقاومة شامل لا تشوبه شهوة السلطة وملء الجيوب، فليكن اعترافاً بالعجز وسوء التقدير، وإحالة المشروع لمالكِه الحقيقي وصاحب رأس ماله لينظر في سبل إدارته: الشعب الفلسطيني.
عن "الغد" الأردنية