بقلم / ثابت العمور
لا أظن أن لدى ليبرمان خطط ولا تكتيك ولا إستراتيجية وكثير من ظني صحيح لعدة اعتبارات سياسية وشخصية وتاريخية تتعلق بليبرمان، ولكن أحد أهم دوافع الكتابة في هذا الأمر واستشراف مآلاته، أن الخبر الرئيس هو ليبرمان وإعلاناته وتهديداته ومخططاته وقراراته بفتح معبر كرم أبو سالم من عدمه وآخرها ما أعلنه أمس الثلاثاء بأنه عاد في كلامه وقرر عدم فتح معبر كرم ابو سالم. وعدم زيادة مساحة الصيد، متذرعاً باستمرار إطلاق البالونات الحارقة والطائرات الورقية.
نحن كشعب فلسطيني لنا حكاياتنا وروايتنا مع المعابر كل المعابر منذ معبر غسان كنفاني الذي قال لماذا لم يدقوا الخزان، تمرغنا على المعابر وحفظناها وتأقلمنا معها ومع عدم جدواها، خططنا كلمات ومذكرات وكتبنا روايات عن المعابر والعالقين حولنا الأمر لملحمة وبالتالي فإن التلويح بالمعبر فتحه أو عدمه لا تثنينا إطلاقاً، وأما الصيد فإننا نجيده بالقنص وليبرمان يعلم ذلك جيداً وتضييق مساحات الصيد أفضت لصناعة وحدة الضفادع البشرية وعله نسي أو تناسى فأذكره بأبطالها الاستشهاديين الذين وصلوا لزيكيم.
ليبرمان جزء من مشروع ترويضي تركيعي ولأنه جاء من بكيشيناو في مولدوفا، وتزوج من اوزبكستان، يظن أن أي توليفة أي مخطط أي مشروع قد يمر على الشعب الفلسطيني، ليبرمان يظن أن بإمكانه فرض معادلة الأمن مقابل الغذاء او المعابر او تحسين الأوضاع والظروف الإنسانية، ليبرمان نزل بسقف المعادلة من الأرض مقابل السلام والسلام مقابل السلام والامن مقابل السلام إلى الغذاء والمعابر والوضع الانساني مقابل السلام، ليبرمان يظن ان جيل اوسلو لا زال باقياً ويحكم، لا يعلم أنه لا يوجد ولا يجرؤ انسان في غزة ولا يفكر في ان السلام ممكن مع اسرائيل اطلاقا حتى لو كانت الحياة مقابل هذا السلام المزعوم.
ان الانسان الذي هُجر من بيته وقتل أولاده وأهله وحوصر وقُصف وسلب من ابسط حقوقه لا يمكنه بكل بساطة أن يقبل بالتسوية، فما بالك بالانسان المسلم الذي يعتبر قتال إسرائيل جزءاً أصيلا من عقيدته وفكره ومنهجه، وأن الرباط الى يوم الدين قدره، وأنه ينتظر الساعة التي يناديه فيه الشجر والحجر لقتل ليبرمان وأحفاده. ان كان لدى ليبرمان معادلة ومشروع فإن لدينا أيديولوجية وعقيدة وميراث بالاشتباك مع هذا الكيان الى يوم الدين، وهذا المعنى هو واحد من اهم الحصون الواجب الحفاظ عليها؛ بألا تسقط لأن هذه الأيديولوجية وهذه الحصون هي القادرة على إفشال كل المخططات والصفقات.
كانت المعادلة الأرض مقابل السلام ثم انزلقت الأمور حتى باتت الأمن مقابل السلام ثم تهاوت فبات السلام مقابل السلام واليوم بات تحسين الوضع الانساني مقابل الهدوء بمعنى لم يعد السلام مطروحاً والوضع الانساني بالمناسبة استحقاق لأن أي طرف يقوم باحتلال أرض طرف آخر مطلوب منه حماية وإطعام وتوفير كل متطلبات الحياة.
المفارقة الآن أن ما يحدث معنا كآخر شعب في الأرض يقع تحت الاحتلال أن إسرائيل وأصدقائها او للدقة حلفاءها العرب يريدون منا ان نهدأ ونقبل بالاحتلال ولا نمارس حقنا المكفول والمضمون وفق الشرائع والقوانين الدولية في تقرير المصير؛ مقابل ماذا؟!! لم يعد مطروحاً حتى بعض من حقوقنا يريدوننا أن نصمت ونوافق ونقبل مقابل فتح معبر بضع أيام وبضع ساعات إضافية من الكهربا وبضع دولارات كرواتب وبضع لقيمات .
كل عشر سنوات عقد من الزمان يزيد او يقل قليلا؛ تتجه إسرائيل لتكتيك لخطة لترويض الناس وتسكيتهم وإلهائهم لكن كل خططها تفشل حتى اختلاق سلطة فلسطينية أو حكم ذاتي أو روابط قرى كلها فشلت واليوم تضغطنا خطة ليبرمان وتوقف عمل المعابر ويلوح بالأمر وكأنه يرعبنا أو يريد تخويفنا، لا يعلم أن هذا الشعب أخذ على عاتقه أن يكون رأس حربة وكل الضغوط والاغلاقات والحصار لن تثنيه نحن شعب يزف شهداءه بالزغاريد والأغاني. نحن شعب يتسابق للموت لا كرهاً في الحياة ولكن إقبالا على الحق والثورة والجهاد والاستشهاد.
الضربة الموجعة لنا كشعب تحت الاحتلال أتت وتأتي دوما من أشقائنا الذين يريدون الذهاب إلى ليبرمان على حساب دمنا وحقنا وأرضنا وترويضنا.فليغلق ليبرمان كل المعابر والمنافذ فإننا سنغلق مطاراته وبيوته ومحطاته وهو يعلم ذلك جيداً سنجوع لكننا سنفرض عليه الإقامة الجبرية في الملاجئ، لا نقول هذه المعادلة من أجل استعطاف فتح المعابر وتحسين وضع إنساني واقع تحت الاحتلال. ولكن هذه المعادلة الموضوعية والحقيقية. وما دونها استثناءات.
حتى لا يكون الأمر عبارة عن مكابرة وخطاب جعجعة نقول بأن الأزمة الإنسانية قد تتوقف قد تتراجع البالونات والطائرات قد يتوقف الناس عن الذهاب لمسيرات العودة قد يكون هذا خيارنا الوحيد؛ لكننا سنعود مثلما عدنا مع انتفاضة العام 87 بالحجر والمقلاع ثم المولوتوف والبلطة والسكين، أتذكر يا ليبرمان كيف توقفنا كاستراحة مقاتل ثم عدنا العام 2000 بالقنابل والبارود والعمليات الاستشهادية ، ثم توقفنا لبعض الوقت حتى عدنا بالكورنيت والجراد والبراق والغول وقدس متوسط المدى وقصفنا تل أبيب وحظرنا الحركة في مطار بن غوريون، تأقلمنا للحد الذي امتلكنا فيه وحدات صاروخية ووحدات ظل، واجتزنا بدمنا وجماجمنا وعظامنا ثلاثة حروب ووارينا أحبة لنا الثرى وما التفتنا واستمرت مسيرتنا.
واليوم نعود من قيامتنا مرفوعة قامتنا عدنا بمسيرات العودة بالبالونات الحارقة والطائرات الورقية لا شي يوقف الثوار لا شيء يثنيهم، ونحن ثوار ومرابطون وأصحاب حق قد نلتفت للغنائم تارة قد ننزل عن الجبل تارة قد نتراجع قد نُجري عملية تقييم قد نتقاسم ونقتسم وننقسم ونتقاتل لكن اشتباكنا مستمر مع الاحتلال وهو الشيء الوحيد الذي نملكه ونحرص أن نورثه لأبنائنا.
ليبرمان يظن أن قلب المعادلة وتضييق الأمر سيفضي لتقديم الإنساني على السياسي وهو ما يعني الجهل التام بهذا الشعب الذي لا تخلو جعبته من المفاجآت وقريباً سيرى ذلك بعينيه. وليستمر في تكتيته وإغلاق المعابر ولينتظر منا استدارة ما بعد البالونات الحارقة.