مفتاح شعيب
مشهد التظاهرات التي عمّت عدداً من المدن الفرنسية احتجاجاً على زيارة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يؤكد السمعة الملطخة بالعار والدم التي تلبست «إسرائيل» في العالم أجمع، دون أن يشفع لها الدعم الآتي من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أو تحميها سياسة الترهيب والابتزاز التي طالت دولاً ومنظمات حتى لا تنتقد الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي صدارتها غزة.
نتنياهو، كأي حاكم منبوذ، لن يجد من يرحب به في أي عاصمة يطؤها إلا من كان منافقاً أو على شاكلته، بينما تقابله شعوب البلدان القليلة التي يزورها باللعنات والازدراء؛ لأنه مجرم حرب يداه ملطختان، مع جنرالاته، بدماء المئات من الفلسطينيين. وازدادت هذه الصورة بشاعة، بعدما أضافت المجازر المرعبة بحق مسيرات العودة الكبرى في قطاع غزة ندبة أخرى في وجه «إسرائيل» القبيح، لأنها جرائم غير مبررة، وما كانت لتحصل بتلك الدموية لولا الانحياز الأمريكي الأعمى بنقل السفارة إلى القدس. ولكنه انحياز لم يخرس أحداً ولم يمنع الفرنسيين، في باريس ومرسيليا، من التظاهر رفضاً لنتنياهو ومطالبة بمحاكمته، وهي مشاعر تجتاح كل العواصم الأوروبية بلا استثناء. وهناك بعض الدول محرمة على قادة «إسرائيل» بسبب ملاحقات قضائية سابقة. أما اليوم فالسمعة أصبحت أسوأ والإصرار على ملاحقة المجرمين أكبر، في وقت جاء اعتراف من داخل الاحتلال بأن العدوان الأخير على غزة أحيا القضية الفلسطينية في النفوس ووضع صورة «إسرائيل» في الحضيض، بدليل الازدراء الدولي المتزايد لسياسات «إسرائيل» التي أصبحت العلاقة معها شبهة ومجلبة للفضيحة.
دول عديدة أصبحت تراجع علاقاتها وحساباتها. وبعد أسابيع من التحضيرات والتهليل، قررت الأرجنتين إلغاء مباراة كروية ودية مع «إسرائيل» كانت مقررة في القدس المحتلة. ولا شك أن إلغاءها كان صفعة أكثر مرارة لدى «الإسرائيليين» من أي إجراء آخر، لأنها رسالة جاءت من منتخب مرشح للفوز بكأس العالم في روسيا هذا الشهر. وحين يقرر منتخب الأرجنتين النأي بنفسه عن منتخب ضالعة حكومته في قتل الأبرياء واغتصاب أراضي الغير، سيكون لهذا الأمر ما بعده وينبه مئات الملايين في العالم إلى حقيقة «إسرائيل» ويجلب التعاطف للفلسطينيين، وهو ما يلمسه المتابع لتصريح وزير الحرب أفيغدور ليبرمان حين عزا المقاطعة الأرجنتينية إلى ما أسماه ضغوط «الذين يضمرون الكراهية ل «إسرائيل»»، وهذا هو فهمه للموضوع، أما الفهم الحقيقي أن غالبية دول العالم والرأي العام فيها لا تريد التورط في قضية بنيت على باطل.
قد يكون الشعب الفلسطيني يمر بمرحلة دقيقة وحرجة، ولكن ذلك لا يعني أن الاحتلال يعيش «أياماً مجيدة»، رغم محاولاته الإيحاء بذلك سواء عبر استثمار نقل السفارة الأمريكية للقدس أو الإمعان في قتل الفلسطينيين أو باستعراض قوته العسكرية في قصف الأراضي السورية. أما الحقيقة فهي غير ذلك تماما، فالكيان الذي يجد نفسه منبوذاً وقادته ملاحقين لا يمكن أن يحظى بوجود طبيعي مهما توهم في نفسه من قوة وجبروت. وسيأتي اليوم الذي يخضع فيه للمحاسبة، ففي التاريخ هناك إمبراطوريات وقوى عظمى اندثرت وأصبحت أثراً بعد عين، لأنها كانت ظالمة وبنت كيانها على الطغيان واغتصاب حقوق الآخرين، و«إسرائيل» من ضمن هذا الصنف، ومن أجل ذلك لن تستمر.