احمد جميل عزم
من المقرر أن ينعقد المجلس الوطني الفلسطيني، في دورة جديدة يوم الاثنين المقبل، ولمدة أربعة أيام. وبعيداً عن جدل ظروف الانعقاد الحالية، فإنّ هناك حاجة ملحة لتفحص كيف تطور هذا المجلس، وطبيعة الأسئلة التي يجدر أن تثار بشأن مستقبله، ومستقبل منظمة التحرير الفلسطينية.
عقد المجلس الوطني الفلسطيني بين العامين 1964 و1996 ما مجموعه 21 دورة، غالبيتها أو ثلثاها (14 مجلسا) قبل العام 1980، منها 12 مرة بين العامين 1964 و1974؛ أي بمعدل يزيد على دورة واحدة في العام، ثم صار المعدل مرة كل عامين، بين العامين 1975 و1984؛ أي خمس مرات في تلك السنوات. ويلاحظ تزامن بدء اتساع المدى الزمني لانعقاد المجلس مع متغيرين، أولهما حصول المنظمة على الاعترافين العربي والدولي كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ما أوجد حالة استرخاء لدى القيادة الفلسطينية، وحد من الحاجة لتكرار تأكيد الشرعية الشعبية، والأمر الثاني هو الاتجاه نحو العملية السياسية، فتوقّف المجلس عن الانعقاد ثلاث سنوات بين العامين 1974 و1977، فيما يبدو أنه هروب من المواجهة السياسية والانقسام على خلفية الموقف من برنامج التسوية الذي بدأ السير به ما عرف باسم البرنامج المرحلي العام 1974.
صار معدل الانعقاد أقل من مرة كل ثلاث سنوات (مرة كل 40 شهرا)، ما بين العامين 1985 و1994، ويمكن أن تكون ظروف حرب لبنان والتشتت مجددا، والانشقاقات، من الأسباب الإضافية لهذا التباعد. وبعد ذلك انعقد المجلس العام 1996، في غزة، في ظروف بالغة التشويش، سواء من حيث أعضاء المجلس أو أجندة أعماله، التي جاءت بطلب أميركي، وبحضور الرئيس الأميركي بيل كلينتون، لحذف مواد من ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية. وقدر عدد المدعوين لهذه المجلس بنحو 850 شخصا، فيما يعتقد أنه محالة للتأثير في نمط العضوية لضمان قبول التعديلات المطلوبة.
وبحسب مزاعم الصحفي الراحل، عرفات حجازي، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، التي يشير لها بحث للباحث، محسن صالح، فإنّه سمع من الرئيس ياسر عرفات قوله "إنّ هذا المجلس الوطني (1996) هو آخر المجالس الفلسطينية، وإنّه لن ينعقد بعد اليوم في أي مكان". وربما كان عرفات يعتقد أنّ قيام الدولة الفلسطينية، المنشودة حينها، سيلغي الحاجة للمجلس، أو سوى ذلك. خاصة أنّ المجلس التشريعي الأول للسلطة الفلسطينية، كان قد انتخب قبل هذا الاجتماع بنحو أربعة أشهر.
بغض النظر عن نوايا الرئيس الفلسطيني حينها عندما قال مثل هذه العبارة، فإنّ مشروع السلطة الفلسطينية (ومشروع الدولة) يمكن أن يكون السبب الأساسي لهذا التباطؤ والابتعاد عن المجالس الوطنية الفلسطينية، ودخول غالبية دوائر منظمة التحرير الفلسطينية، في مرحلة جمود.
عندما فازت حركة "حماس" بانتخابات 2006 بدا هذا المشروع مهدداً، فجرى تفعيل دوائر في منظمة التحرير الفلسطينية، وأهمها الدائرة السياسية (لتقوم مقام وزارة الخارجية)، وعندما حدث الانقسام وتشكلت حكومة لا تقودها "حماس" عادت الدائرة السياسية للجمود لصالح وزارة الخارجية في السلطة، التي تتعاظم صلاحياتها باضطراد، على حساب دوائر المنظمة.
اعتبر الانقسام والحاجة لاتفاق مع حركة "حماس" على إعادة تشكيل المجلس من ذرائع عدم عقد المجلس الوطني الفلسطيني. ومن المتوقع أنّ وصول القيادة الفلسطينية لقرار عدم انتظار إنهاء الانقسام، يضاف إلى الشعور بالتهديد من مواقف الولايات المتحدة الأميركية، بشأن فرض تسوية هزيلة للغاية (أقل من حكم ذاتي) باسم "الصفقة النهائية"، وشعور بعدم وجود مواقف دولية وعربية كافية للتصدي للموقف الأميركي، فضلا عن الحاجة الموضوعية لتجديد هذه اللجنة، التي فقدت جزءا من أعضائها بالوفاة، وتقدم عمر جزء منها كثيراً، وفقدان بعض أعضائها صفتهم السياسية التي دخلوا بموجبها اللجنة (خروجهم من فصائلهم)، هي العوامل الأساسية لتفعيل المجلس الوطني الفلسطيني، كاحتياط استراتيجي على الأقل.
مع تعثر التسوية، والمخططات الإسرائيلية الأميركية، لتمييع القضية الفلسطينية، من قضية "حق تقرير مصير" إلى قضية سُكّان وكتل بشرية، فإنّ الحاجة ملحة لتفعيل المنظمة لتكون أكثر حتى من احتياط استراتيجي بل لتعود آلية التعبئة الوطنية والحراك الفلسطيني العابر لمناطق التجمع واللجوء والشتات، وآلية تجديد الدماء.