بعد مرور خمسة عشرة يوما على رحيل ماركيز لا بد من إضاءة سريعة عن سيرة هذا الكاتب الذي استطاع أن يكون مؤسسا مبدعا ومغايرا في الرواية العالمية
وربما لغا تختصر الواقعية السحرية انجازه فبقدر ابداعه الأدبي كانت مواقفه أيضا تدل عليه لكن من هو ماركيز ....؟
ولد ماركيز في السادس من آذار (مارس) عام 1927 في بلدة أراكاتاكا في مقاطعة (ماغدالينا) الكولومبية، والتي أصبحت النموذج لبلدة ماكوندو، البلدة المحاطة بأشجار الموز على سفح جبل سييرا نيفادا في "مئة عام من العزلة". أرسل غابرييل إلى مدرسة داخلية في بارانكويلا، واشتهر هناك كونه صبيًا خجولاً ويكتب قصائد ساخرة و يرسم رسومًا هزلية، ولقب حينها بين زملائه بـ «العجوز» كونه كان شخصًا جادًا وقليل الاهتمام بالأنشطة الرياضية. وعلى رغم شغفه بالكتابة، إلا أن غارسيا ماركيز استمر في دراسة القانون عام 1948 إرضاءًا لوالده. وخلال زيارة لوالديه في مدينة سوكر الكولومبية، تعرف غارسيا ماركيز الى ميرسيدس بارشا، وكان حينها لايزال طالبا، ثم تطور التعارف الى وعد بينهما على الزواج، وهو في عمر 13 سنة، وحين أنهى دراسته في عام 1958 تزوجها وبعد عام واحد انجبا ابنهما الاول رودريغو، الذي أصبح فيما بعد مخرجًا سينمائيًا، وبعد ثلاث سنوات، انجبا ابنهما الثاني غونزالو، مصمم غرافيك مقيم في المكسيك. وقد بدأ عمله مراسلا صحافيا، وكافح لسنوات كي يصنع اسمه كروائي على رغم أنه نشر قصصاً ومقالات وروايات قصيرة عدة في الخمسينات والستينات أشهرها "عاصفة الأوراق" و"ليس لدى الكولونيل من يكاتبه". وحقق اسمه كروائي على نحو ملفت للانتباه في روايته "مئة عام من العزلة" والتي نال شهرة كبيرة بعد نشرها مباشرة في عام 1967، وباعت أكثر من 50 مليون نسخة في أنحاء العالم وأعطت دفعاً لأدب أميركا اللاتينية. وفي الرواية، التي نال عنها جائزة نوبل للآداب، يمزج ماركيز الأحداث المعجزة والخارقة بتفاصيل الحياة اليومية والحقائق السياسية في أميركا اللاتينية. وقال ماركيز إنه استلهم الرواية من ذكريات الطفولة عن القصص التي كانت ترويها جدته التي يغلب عليها التراث الشعبي والخرافات، لكنها قدمت أكثر الوجوه استقامة.وسرعان ما أصبح رائداً للواقعية السحرية وأحد المدافعين الرئيسيين عنها، وهي تقوم على مزج عناصر خيالية في تصوير الحياة اليومية التي جعلت الاستثنائي يبدو روتينياً إلى حد ما. ويقول ماركيز إن هذا الأسلوب يجمع بين "الأسطورة والسحر وغيرها من الظواهر الخارقة للعادة".
وقالت الأكاديمية الملكية السويدية عند منحه جائزة نوبل في عام 1982، إن ماركيز "يقودنا في رواياته وقصصه القصيرة إلى ذلك المكان الغريب الذي تلتقي فيه الأسطورة والواقع". وبيعت أعمال ماركيز، أكثر مما بيع كل ما نشر بالإسبانية باستثناء الكتاب المقدس. إذ بيعت أكثر من 50 مليون نسخة من روايته "مئة عام من العزلة"، التي ترجمت إلى أكثر من 25 لغة.
ومن أعماله المشهورة الأخرى "خريف البطريرك" الصادرة عام 1975، و"قصة موت مُعلن" عام 1981، و"الحب في زمن الكوليرا" التي صدرت عام 1986، ومن كتبه الحديثة "عشت لأروي" و"ذاكرة غانياتي الحزينات". وترجمت معظم أعماله إلى لغات عدة منها العربية.
وصية ماركيز المزعومة
وصية قيل إنها للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز حامل نوبل الذي ترك خلفه نتاجا ابداعيا لا يمكن للتاريخ الأدبي العالمي تجاوزه ...
سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيه. سأنام قليلاً، وأحلم كثيرًا، مدركًا أنّ كل لحظة نغلق فيها أعيننا تعني خسارة ستين ثانية من النور. سوف أسير فيما يتوقف الآخرون، وسأصحو فيما الكلّ نيام. لو شاء ربي أن يهبني حياة أخرى، فسأرتدي ملابس بسيطة وأستلقي على الأرض، ليس فقط عاري الجسد، وإنما عاري الروح أيضا. سأبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقا متى شاخوا، دون أن يدروا أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق. سـوف أعطي للطفل الأجنحة، لكنني سأدعه يتعلَّم التحليق وحده. وللكهول سأعلّمهم أن الموت لا يأتي مع الشيخوخة، بل بفعل النسيان. لقد تعلمت منكم الكثير أيها البشر… تعلمت أن الجميع يريد العيش في قمة الجبل، غير مدركين أن سرّ السعادة تكمن في تسلقه. تعلّمت أن المولود الجديد حين يشد على إصبع أبيه للمرّة الأولى، فذلك يعني أنه أمسك بها إلى الأبد.
تعلّمت أن الإنسان يحق له أن ينظر من فوق إلى الآخر فقط حين يجب أن يساعده على الوقوف. تعلمت منكم أشياء كثيرة! لكن، قلة منها ستفيدني، لأنها عندما ستوضب في حقيبتي أكون أودع الحياة.
قل دائمًا ما تشعر به وافعل ما تفكّر فيه. لو كنت أعرف أنها المرة الأخيرة التي أراكِ فيها نائمة لكنت ضممتك بشدة بين ذراعيّ ولتضرعت إلى الله أن يجعلني حارسًا لروحك. لو كنت أعرف أنها الدقائق الأخيرة التي أراك فيها، لقلت ‘أحبك’ ولتجاهلت، بخجل، أنك تعرفين ذلك.
هناك دومًا يوم الغد، والحياة تمنحنا الفرصة لنفعل الأفضل، لكن لو أنني مخطئ وهذا هو يومي الأخير، أحب أن أقول كم أحبك، وأنني لن أنساك أبدًا. لأن الغد ليس مضمونًا لا للشاب ولا للمسن.. ربما تكون في هذا اليوم المرة الأخيرة التي ترى فيها أولئك الذين تحبهم. فلا تنتظر أكثر، تصرف اليوم لأن الغد قد لا يأتي ولا بد أن تندم على اليوم الذي لم تجد فيه الوقت من أجل ابتسامة، أو عناق، أو قبلة، أو أنك كنت مشغولاً كي ترسل لهم أمنية أخيرة.
حافظ بقربك على من تحب، اهمس في أذنهم أنك بحاجة إليهم، أحببهم واعتني بهم، وخذ ما يكفي من الوقت لتقول لهم عبارات مثل أفهمك، سامحني، من فضلك، شكرًا، وكل كلمات الحب التي تعرفها. لن يتذكرك أحد من أجل ما تضمر من أفكار، فاطلب من الربّ القوة والحكمة للتعبير عنها. وبرهن لأصدقائك ولأحبائك كم هم مهمون
إعداد: الموقع الالكتروني