يوم 29 (آب) أغسطس، إنطفأ ناجي العلي (1937 ـــ 1987) متأثراً بجراحه في مستشفى «تشارينغ كروس»، في العاصمة البريطانيّة. هذا المبدع الفلسطيني المتمرّد الذي شكلت تجربته منعطفاً في فن الكاريكاتور العربي،
وصاغ برسومه وعينا الجماعي في مرحلة حاسمة من الصراع ضد إسرائيل والاستعمار والرجعيّات العربيّة، رحل متأثراً بجراحه، بعد شهر من إطلاق النار عليه، في أحد شوارع لندن، بكاتم صوت تعددت الأصابع الضاغطة على زناده.
وهو يرقد اليوم في مقبرة «بروك وود» الإسلامية في لندن، تحت الرقم 230191، إذ حالت الظروف تنفيذ وصيّته بأن يدفن في مخيم عين الحلوة، المكان الذي انطلق منه بعدما اكتشفه غسان كنفاني هناك، لينشر أولى لوحاته في مجلة «الحرية» عام 1961.
لقد أرعب ناجي الحكام العرب المتخاذلين، بقدر ما أوجع العدو الإسرائيلي وعرّى الأنظمة الخائنة، المستبدة، المتآمرة، التي قادتنا إلى الهزيمة.
الفنان النحيل الساخر الذي جمع الموهبة والمراس والثقافة إلى الرؤيا الثاقبة والوعي الراديكالي، كان شاهداً، في تغريبته بين بيروت والكويت ولندن، على المنعطفات الحاسمة للقضية الفلسطينية.
واكب الأحداث الكبرى، والمعارك، والمواجهات المصيرية، بعيني حنظلة ابن العشر سنوات الذي لن يكبر إلا حين يعود إلى قريته الشجرة في الجليل، في فلسطين المحتلّة.
ثلاثون عاماً بعد استشهاده، ما زال نتاجه وفكره حاضرين أكثر من أي وقت مضى. صنوه «حنظلة» في كل مكان، فوق دفاترنا وصحفنا وفي وجداننا وضمائرنا… في العالم الافتراضي، وعلى جدران شوارعنا والأحياء التي يسكنها الفقراء، والميادين الثائرة… في مخيّمات الشتات، والمدن الفلسطينية تحت الاحتلال، وعلى جدار الفصل العنصري.
تحيّة من «الأخبار» وقرّائها إلى ناجي العلي «آخر الأحياء» كما رثاه الشاعر أحمد مطر. ناجي الذي يعلّمنا اليوم، كيف نواصل حمل البندقيّة… في الطريق إلى فلسطين.