يدور الحديث الآن عن انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في نهاية شهر نيسان (إبريل) المقبل، وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك، حيث كان المجلس يؤجَل لأسباب مختلفة، غالبا بالتوازي مع مطالب من فصائل المعارضة الفلسطينية ومستقلين بالتأجيل، حتى بدا أن تأجيل المجلس دائماً، توافق مقبول، لا يتبعه إلحاح وضغط لعقد المجلس بشكل جديد، أو لتجديده. وتكرّس تعطيل المجلس بانتظار توافق حركتي "فتح" و"حماس" دون التفكير في سيناريوهات أخرى.
لقد بدأت حوارات أو مفاوضات انضمام حركة "حماس" إلى منظمة التحرير الفلسطينية عام 1990، في السودان، ولم تصل بعد لنتيجة، ولا يبدو أنها ستصل قريباً.
تتجدد الآن المناشدات لتأجيل المجلس لحين التحول لإطار وحدوي يجمع الفصائل التي لم تدخل المنظمة.
من المبرر التساؤل والانتقاد، لماذا لا ينعقد الإطار القيادي الموحد والانتقالي المتفق عليه لمنظمة التحرير الفلسطينية؟، ومن المبرر التساؤل حول صوابية انعقاد المجلس في رام الله، ومن المهم جداً، أن لا ينعقد مجلس وطني فقط لتجديد اللجنة التنفيذية للمنظمة، من ضمن ذات الدوائر القديمة، وبذات الطرق القديمة. ولكن بالمثل من المبرر وغير المجحف، القول إنّ مسألة انتظار المصالحة والتوافق والتوحيد للفصائل، باتت ذريعة من قبل البعض لعدم عقد وتجديد أطر العمل الراهنة، شبه المشلولة، فبذريعة المصالحة، لا تجري انتخابات في كثير من الأطر الفلسطينية ويتكرس الجمود في المجال السياسي الفلسطيني.
باتت الحركة الوطنية الفلسطينية رهينة توافق فصيلين يبحثان عن الخلاف على كل شيء (رغم أنهما في الواقع يحملان تقريباً ذات البرنامج السياسي)، ولكن حتى جباية الضرائب، وتعيين الموظفين، بات إعاقة لإنهاء الانقسام.
لا يقتصر الشعب الفلسطيني على حركتي "حماس" و"فتح" حتى يتم انتظارهما للأبد، والشعب الفلسطيني ليس في الضفة الغربية وقطاع غزة وحسب. بل إن قواعد الحركتين، بل قواعد كل الفصائل، باتت مستثناة إلى حد كبير من صناعة القرار، ومن النشاط السياسي، لصالح أجهزة أمنية وبيروقراطية.
إنَّ من كانوا شباباً عند آخر تشكيل حقيقي للمجلس الوطني الفلسطيني، قبل ثلاثين عاماً، يغادرون سن الشباب، دون أي استفادة فعلية منهم، ودون دخولهم في أطر الشعب الفلسطيني الأساسية، وكثير من الأطر مثل حملات المقاطعة، وحملات التضامن الدولية التي يقودها فلسطينيون، وحملات مناهضة الأبارتهايد الدولية، وغيرها من الأطر التي برزت منذ بداية هذا القرن، ومعها قطاعات واسعة من الأكاديميين، ورجال الأعمال، والكُتّاب، والناشطين في العمل الشعبي والاجتماعي وغيرهم، غير ممثلين في منظمة التحرير الفلسطينية.
يتضمن النظام الأساسي لمنظمة التحرير، والفكرة الأساسية لها، حشد الطاقات الفلسطينية، ولو فُعّل النظام الخاص بالمجلس الوطني الفلسطيني، لكان هناك تجديد كبير من خلال سبل أهمها تجديد لجان ممثلي الاتحاد الشعبية والمهنية من طلبة، وعمال، ومهندسين، وأطباء، وغير ذلك، ولأمكن للمستقلين والفصائل على السواء، والجاليات الفلسطينية، في كل مكان، التنافس على مقاعد تمثيل هذه الاتحادات. فضلا عن إيجاد آلية لتجديد عضوية المستقلين في المجلس لضم الطاقات الجديدة.
لا يجب إهمال وتهميش كل هؤلاء بانتظار اتفاق الفصائل. ليس منطقياً فرض تغيير برنامج منظمة التحرير السياسي، شرطاً لدخولها، بل الأصل الحديث عن آلية العضوية وعن طريقة اتخاذ القرار وأنماط القيادة في المنظمة، وفي العمل السياسي الفلسطيني، وأن يتم التغيير من الداخل.
دون نهضة في المجتمع الفلسطيني، في جالياته المنتشرة في كل العالم، ودون عقول وأفكار جديدة، تبني على الرصيد الذي أنجز في الماضي، ومنظمة التحرير هي المؤهل إطاراً لكل. ولأنها لا تقوم بذلك تظهر محاولات، مثل مؤتمر الشتات الفلسطيني، الذي يمكن ببعض الحنكة والحرص أن يصبح من أطر منظمة التحرير. وبدون المنظمة، تجري مؤتمرات للجاليات وللعودة، وأصحابها محقون بل وواجبهم المبادرة لسد الفراغ الناجم عن تعطيل المنظمة، ولا يمكن اتهامهم أنهم يعملون لمصلحة فصائلية. وفي الداخل تضمحل الفصائل لصالح الأجهزة الأمنية (في غزة والضفة)، ويضمحل المجال السياسي الشعبي عموماً.
لا يمكن أن يكون الموقف دائماً هو انتظار مجلس وطني فصائلي توحيدي، يجدر طرح سيناريوهات أخرى لمجلس وطني توحيدي فاعل ومؤثر شعبياً دون الارتهان للفصائل للأبد.