حلمي البلبيسي
لا يختلف اثنان في الساحة الفلسطينية على ضرورة وأهمية الحوار الوطني، ليس فقط كأداة تفاهم بين القوى الوطنية ووسيلة لجسر الفروقات البينية، بل كمنهج مهم لترسيخ صوابية خطوات ومسيرة حركة التحرر الوطني ، ولتقييم اداء مرحلة مضت، من جهة ، ووضع برامج نضالية مستقبلية تعالج اخفاقات ما سبق، وتعزز الانجازات والنجاحات، الضامنة لصوابية اتجاه البوصلة ،وكل ذلك تحت سقف ثوابتها الوطنية التي انطلقت من اجل تحقيقها....
ومن المعروف والواضح أن الحركة الوطنية في مسيرة التحرر الوطني تقوم بحواراتها لاهداف في سياق تاريخي الزامي بغية فتح الآفاق أمامها لاستكمال الطريق النضالي بدون شوائب أو مخاطر ، وليس للتراجع عن هذا الطريق النضالي أو لاستبدال أهدافه بسقوف تنازلية، فإنه في هذه الحال لن يكون حوارا وطنياً، بل هو نوع من المفاصلة السياسية الفاقعة.
في الحالة الفلسطينية قلنا ومازلنا نقول ، أن أي حوار ، يجب أن يكون لتحقيق وحدة وطنية على أساس مشروع وطني مقاوم يلغي أوسلو وتوابعه وما لحق به من كل الجوانب، ويؤكد ويثني ويواصل على حق شعبنا بالمقاومة من أجل تحقيق العودة والتحرير.
كان نضال شعبنا ومنذ قرن من الزمان او يزيد، فاعلا في مقاومة الاحتلال البريطاني ، ومؤامراته لتسهيل التغلغل الصهيوني ، ومنذ وعد بلفور المشؤم وحتى انطلاق الثورة الفلسطينية الحديثة ، لم يتخل شعبنا عن الكفاح وتقديم التضحيات من اجل تحرير ارضه ومقدساته، وانهاء الوجود الاجنبي الاحلالي على الارض الفلسطينية. وقد قدم شعبنا في سبيل الحفاظ على حقوقه وحماية ثوابته الوطنية، الآلاف من الشهداء والاسرى والجرحى، والمشردين في مخيمات اللجوء.
هل يمكن فهم حوار وطني لا يستند لهذه الثوابت الفلسطينية الراسخة والتي استشهد دفاعا عنها عشرات الآلاف من ابناء شعبنا ومقاوموه ؟
كيف يمكن فهم ان تخرج عملية الحوار من هدف إيجاد قاسم مشترك بين الايدي التي تريد دفع العربة إلى الأمام إلى هدف قبول أيدي دافعة للوراء على العربة ذاتها بدعوى الحوار الوطني والوحدة الوطنية...أي وحدة تلك التي تقبل أن تختنق بهذه المفخخات السياسية التي لن تفيد أكثر من تكرار الخطأ ذاته وإعادة إنتاج محصلة خائبة تؤثر على الأهداف الأساس لشعبنا بالحرية واستعادة البوصلة.
عندما يكون الحوار الوطني المأمول معدا لقبول صيغ تكتيكية لتبريد خاضع لشروط طرف وانسحاباته الواضحة من ساحة تعاضد الاكتاف وتراجعه المعلن عن كثير من الثوابت الوطنية الأساسية، لا يمكن فهم هذا الحوار ولا إعطائه أصلا تسمية حوارا وطنيا.
والسؤال الملح والمشروع ، الذي يطرحه شعبنا عامة ، ومناضلوه الاوفياء هذه الايام ،،ومع تقديرنا لحجم الضغوط ، التي تمارس على بعض اطراف هذا الحوار، هو،،،ماذا تغير منذ انتخابات ٢٠٠٦ ،حين فازت حماس باغلبية مقاعد المجلس التشريعي،،وكم من الاتفاقيات وقعت ، بين فتح السلطة وحماس،تم تجاوزها، والقفز عليها، وهل خبر الاخوة في فصائل المقاومة واولهم حماس اي تغيير في منهجية عمل السلطة، باتجاه الالتزام بالتوافقات، والتراجع عن التنازلات التي قدمتها السلطة للعدو، وهل نفذت السلطة ايا من قرارات المجلس المركزي او اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير او مركزية فتح ، والتي اوصت في عدة مناسبات بوقف التنسيق الامني، ودعم المقاومة الشعبية، وهل رأى الاخوة ما لم نر ، توجها لاصلاح مؤسسات م ت ف ، والخلاص من زمرة الفاسدين المرتبطين بالاحتلال حفاظا على مكتسباتهم من المال والسلطة...
إن الحوار الوطني الحقيقي لا بد أن يقود إلى نواتج عملية على أرض الواقع تؤثر على العدو سلبا في مسار الاشتباك الكفاحي معه، وتؤكد على حق شعبنا بالمقاومة بكل اشكالها وادواتها وفي مقدمتها الكفاح المسلح، وحق شعبنا بالعودة والاستقلال على كامل ترابه الوطني، ويقوم على الالتزام بثوابت القضية الفلسطينية.
أما الحوارات التي تجري منسلخة عن ثوابتها الوطنية التاريخية فهي ليس فقط خارج دائرة اهتمام قواعد هذه القوى أو الضمير الشعبي المراقب، بل للأسف هي مدعاة لمزيد من الاحباط الذي يصل درجة التخلي والانكفاء لدى ابناء شعبنا ، والكثير من شرفاء حركته الوطنية...وهو ما لم تنتبه او لم تكترث له هذه القوى المتحاورة ،وحتما ستدفع ثمن ذلك في المستقبل مهما حاولت ايهام ذاتها باغفال هذا او القدرة على السيطرة عليه وخداع الجماهير به.
الحوار الوطني الذي نعتقد بضرورته في الساحة الفلسطينية الذي طالبنا به وما زلنا ونعتقد انه السبيل الوحيد المجدي والمطلوب هو الحوار الذي يجب أن ينتج قيادة موحدة تقود الفعل الجماهيري المقاوم وتعمل على رعاية مقاومة شعبية متواصلة، وطويلة الامد، لتحقيق اجبار العدو على تفكيك مستوطناته بالضفة المحتلة والقدس وتغولاته على الأقصى وانسحابه منها، وتحرير الاسرى، وفك الحصار عن قطاع غزة ، دون انصياع لاملاءات العدو او اعتراف به او التزام باتفاقيات مذلة معه....
الذين يعتقدون ان اجراء انتخابات في الأرض المحتلة هو ناتج مهم لحوار مارسوه ، عليهم ان يعيدوا النظر في هذه القناعة مبكرا قبل حصاد خيبة مؤكدة توافقها السوابق المجربة في هذا الشأن ، ونتمنى أن لا تكون هذا المرة على الأقل اقسى من سوابقها.
ان اي انتخابات تجري دون تحقيق اتفاق على برنامج ومشروع وطني نضالي ، يقطع مع الماضي المشين في اداء السلطة وقيادة فتح المختطفة، ولا يكون فلسطينيوا الخارج جزأ اساسيا فيها، هي انتخابات تخدم خط المساومة والتنازل عن ثوابت شعبنا، وتنكر لمسيرةz مباركة ، مضى على هدي ثوابتها الآلاف من ابناء شعبنا، معتقدين ان تضحياتهم ستمهد للتحرير والعودة، وإقامة دولة فلسطين الحرة المستقلة و عاصمتها القدس، على كامل التراب الوطني الفلسطيني ، وانهاء كل تمظهراته الوجود الصهيوني على الأرض العربية في فلسطين...
نعيد الدعوة لضرورة حوار وطني،حقيقي، يتمسك بالثوابت التاريخية لشعبنا وامتنا، ويقود لصياغة برنامج كفاحي وطني حقيقي، يقود إلى التحرير والعودة،، وهو ليس بالعقدة الصعبة، إن مورست الوطنية على حساب الفصائلية..
* عضو الأمانة العامة لفلسطيني الخارج