Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

في انتظار القطار... متولي أبو ناصر

في انتظار القطار... متولي أبو ناصر

هناك علاقة غريبة قد لا يلاحظها الكثيرون من أبناء مخيمات سوريا، بين تلك المخيمات والقطار! فبجانب كل مخيم، هناك محطة قطار، أو سكة حديدية قد لا تكون مستخدمة الآن، إلا أنها موجودة... داخل المخيم. في اليرموك، من جهته الغربية، كنّا ونحن صغار نسمع صوت صافرة القطار من بعيد، واكتشفنا في ما بعد أنّ المحطة ملاصقة تماماً لنا. في ما بعد أصبحنا نذهب الى المحطة لرؤية هذا الشي

ء الضخم الذي يصفر. أذكر أنّني في أحد الأيام عدت الى البيت متّسخاً، فسألتني أمي أين كنت ألعب فأجبتها بشكلٍ سريع، عند محطة القطار. أمي ذهبت بعيداً في ذاكرتها في تلك اللحظة، وعلقت: «الله يلعن أبو التران يللي جابنا لهون». لم أفهم يومها ما العلاقة بين محطة القطار وقدومنا من فلسطين إلا عندما أصبحت شاباً، وبدأت أتنقل من مخيم الى آخر: في الشمال تمر سكة الحديد من الجهة الجنوبية لمخيم النيرب، وفي حمص لا تبعد محطة القطار أكثر من خمس دقائق عن مخيم العائدين، وفي جنوب دمشق، تلاصق محطة القطار مخيم اليرموك، وتقسم مخيم السبينة من بوابته الرئيسية الغربية، كذلك هي الحال مع مخيم درعا.

ليست مصادفة أن يكون هناك في كل مخيم سكة قطار، كأن تلك السكك التي حملت الفلسطينيين من قراهم في الجليل الى سوريا، هي نوع من علامة أخرى على نكبتنا غير مخيمات اللجوء.

«اطلعوا كم يوم ورح ترجعوا»، هكذا قالت الجيوش العربية للفلسطينيين في سنة 1948، وصدّقوها. انتظروا عند أول محطة لجوء لهم، نزلوا من القطار... لم يذهبوا بعيداً. نصبوا، في البداية خيمة صغيرة بجانب سكة القطار. طال الوقت. وبدل العودة بالقطار الذي جاء بهم، أتى القطار بلاجئين جدد إثر عدوان 1956. لكنهم بقوا بقرب المحطة. فبنوا مع الخيمة بيوتاً من طين، طال الوقت أكثر، ووفد لاجئون جد إثر نكسة 67، أيضاً لم يذهبوا بعيداً، لكن الأبنية أصبحت يومها من اسمنتٍ مسلح.

اليوم يقتلعون المخيم من جذوره، يدمرونه، ويبنون فوق سكك الحديد حواجز تهين اللاجئ الذي لا يزال صامداً عند أول محطة قطار أحضرت جده ووالديه ورمت بهم بعيداً عن وطنهم.

مخيم سبينة يدمر بالكامل، ويقام فوق سكته الحديدية حاجز عسكري.

واليرموك نصفه تهدم، أجبر لاجئوه على تركه، ومن بقي منهم سوف يموت جوعاً، أو بآلة القتل البشعة التي تقصفهم ليل نهار. أما محطة القطار الملاصقة له فقد أصبحت محور قتال للمسافرين الى الفوضى والموت.

الفلسطينيون اليوم في سوريا يصرخون بأعلى أصواتهم: افعلوا ما شئتم: اقتلونا، جوّعونا، اعتقلوا من شئتم من شبابنا وبناتنا، اهدموا بيوتنا التي بنيت بعرق ووجع آبائنا وأمهاتنا. لكن لا تبعدونا عن سكة القطار. لعل رحلة العودة وإن تأخرت تصل يوماً إلينا.