Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

عقبات تعرقل انتفاضة جديدة في الضفة الغربية

عقبات تعرقل انتفاضة جديدة في الضفة الغربية

  شذى حماد بشقيها الشعبي والمسلح، بدأت المقاومة الفلسطينية بالانحسار والتراجع في الضفة المحتلة متأثرة بشكل أساسي بالواقع الجيوسياسي المفروض عليها منذ إقامة السلطة الفلسطينية عام 1993 وفق اتفاقية أوسلو التي خلفت رزمة من العقبات - السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية - أمام استمرار المقاومة ومواجهة إسرائيل.

إعادة انتشار قوات الاحتلال الإسرائيلية في الضفة المحتلة، والذي ورد في البند (13) من اتفاقية أوسلو التي جاءت بالتوافق بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، فرضت تغيرات جيوسياسية على واقع الضفة الغربية، هدفها الأساسي محاصرة المقاومة واقتلاعها، وذلك من خلال تكثيف المستوطنات وتقطيع أوصال الضفة الغربية والفصل بين المدن، ومحاصرة الريف الفلسطيني بالبؤر والشوارع الاستيطانية والنقاط والمعسكرات التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

كل ما سبق خلق واقعاً جديداً للمقاومة مختلفاً عما كان قبل توقيع اتفاقية أوسلو، المحلل السياسي ساري عرابي يبين أن الجماهير الفلسطينية فقدت فرص الاشتباك مع العدو كما كان في انتفاضة الحجارة (1987-1993) بعد ما فرضته اتفاقية أوسلو من واقع سياسي وجغرافي جديد على الضفة المحتلة، إذ بات الفلسطينيون يزحفون إلى نقاط الاحتكاك مع الجيش الإسرائيلي، وهي عملية غير قابلة للديمومة والاستمرار، بل تؤدي لاستنزاف الشارع الفلسطيني أكثر من استنزاف الاحتلال.

في ذات السياق، بُنيت السلطة الفلسطينية، وفقاً لاتفاقية أوسلو، على أسس "مكافحة الإرهاب" في إشارة إلى المقاومة، والتنسيق الأمني مع الاحتلال في سبيل إنجاح ذلك، لتبدأ بجمع السلاح من المقاومين والفصائل الفلسطينية، وملاحقة كل من يمارس فعل المقاومة وزجّه في سجونها لأوقات زمنية قد تصل لسنوات عدة، وقد شهدت فترة التسعينيات التي بدأ فيها بناء السلطة الفلسطينية مؤسساتها، تصعيداً واضحاً وملاحقة حثيثة لفصائل المقاومة الفلسطينية، تخللها إصدار أحكام سجن بحق المقاومين الفلسطينيين، وخصوصاً التابعين لحركتي الجهاد الإسلامية وحركة حماس، كما تورطت الأجهزة الأمنية الفلسطينية بعمليات اغتيال عدة طاولت شخصيات برزت في العمل المقاوم بالضفة.

الكاتب والمحلل السياسي عبد الستار قاسم يبين أن العقبة الأساسية أمام استمرار المقاومة في الضفة المحتلة، متمثلة بوجود السلطة الفلسطينية الملتزمة بمكافحة الإرهاب والتنسيق الأمني مع الاحتلال وفق مجموعة من الاتفاقيات التي وقعت بينهما، فيما نجح وجود السلطة الفلسطينية بتحويل اهتمامات المجتمع الفلسطيني الوطنية إلى اهتمامات مادية، عن طريق بناء ثقافة جديدة من خلال البرامج التعليمية والثقافية والإعلامية والتي سعت وهدفت إلى تغييب القضية الوطنية الفلسطينية.

ممارسات السلطة وسياساتها أدتا إلى محاصرة المقاومة الشعبية، فيقول المحلل السياسي ساري عرابي إن السلطة الفلسطينية أفقدت الفلسطينيين الكثير من أدوات المقاومة الناجعة وذات طابع سياسي نوعاً ما، مثل رفع الأعلام الفلسطينية والحزبية وتوزيع البيانات الوطنية والكتابة على الجدران، وهي أدوات بسيطة كان يشترك فيها الكثير من فئات المجتمع الفلسطيني.

فيما تراجع المقاومة المسلحة، وفقاً لما يراه عرابي، كان سببه أساساً ما اتبعه الاحتلال من سياسات تضمنت إقامة الشوارع الاستيطانية الطويلة ونشر كاميرات المراقبة والتي باتت عقبة أساسية أمام المقاومين الفلسطينيين لا تمكّنهم من تنفيذ عمليات المقاومة والانسحاب بأمان كما كان خلال التسعينيات حتى انتفاضة الأقصى (2000-2005).

بينما يرى الكاتب السياسي خالد بركات أن الاحتلال اتبع في انتفاضة الأقصى سياسة كي الوعي الفلسطيني من خلال عمليات الردع والعقاب الذي يفرضها على قرى وأهالي المقاومين، بهدف فرض العزل المجتمعي على المقاومين الفلسطينيين، وهو ما أدى لتشكل ضغط مجتمعي وعائلي على المقاومين يتضمن الخوف من فقدان المنازل ومصادرة أراضيهم أو اعتقال أفراد الأسرة، ما يتطلب من المقاومة توفير ركائز صمود للناس حتى يتخلصون من خوفهم من إجراءات الاحتلال، وهو يحتاج لحاضنة اجتماعية، ومالية، وتربوية، وسياسية أيضا.

إسرائيل والسلطة الفلسطينية اتخذتا رزمة من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هدفها اجتثاث الثقافة الوطنية من المجتمع الفلسطيني، وهو ما أدى اليوم لضعف الحاضنة الشعبية للمقاومة، خصوصاً منذ انتهاء انتفاضة الأقصى، لتصبح المقاومة ظاهرة في شكل هبات شعبية قصيرة ومتتالية وهو الذي شهدته الضفة والقدس المحتلتان منذ اختطاف الشهيد محمد أبو خضير من قبل المستوطنين في القدس ثم حرقه في الثاني من تموز/يوليو 2014.

الثقافة الوطنية انحصرت لصالح الثقافة الاستهلاكية، إذ أصبح توجّه الناس للاهتمام بشؤونهم الشخصية على حساب الهم الوطني، حسبما يوضح قاسم، "الثقافة الفلسطينية لم تعد قائمة على كيف نواجه العدو وكيف نحرر الوطن وكيف نتوحد؟.. بل باتت منحصر بمتابعة الراتب وكيفية زيادة الدخل".

بينما يرى بركات أن من أبرز الأسباب الاجتماعية والاقتصادية لتراجع الثقافة الوطنية اليوم مقارنة بما كانت عليه خلال الانتفاضة الأولى، عدم وجود برامج تنموية مجتمعية وطنية في القرى والمخيمات الفلسطينية هدفها بناء مؤسسات خاصة بها بعيداً عن مركزية المدن، وهو ما أثبت نجاحه اليوم في مخيم الدهيشة في مدينة بيت لحم على سبيل المثال، والذي يشهد حالات اشتباك جماهيرية مستمرة مع الاحتلال.

منذ الانقسام الفلسطيني عام 2007 تكثفت مجموعة من السياسات الفلسطينية سعت لإعادة هندسة المجتمع الفلسطيني بخلق أوليات جديدة للفلسطينيين وخلط الأجندات الفلسطينية، إذ يرى عرابي أن السلطة الفلسطينية سعت لتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية تفاوضية تقوم عليها نخبة سياسية فيما يتم إقصاء الجماهير الفلسطينية عن القيام بدورها في الصراع وتصدرها المواجهة كما كان عليه الحال تاريخياً.

تضم السلطة الفلسطينية، وفق إحصائية كشفت عنها وزارة المالية الفلسطينية نهاية عام 2016، 156,930 موظفاً مدنياً وعسكرياً، ما يؤكد الأعداد الكبيرة من الفلسطينيين المرتبطين بالسلطة الفلسطينية عبر رواتب ووظائف، فيما ربطت السلطة الفلسطينيين بأنماط اقتصادية استهلاكية بالبنوك والقروض.

يعلق قاسم أن السلطة الفلسطينية قيدت الفلسطينيين بمصادر رزقهم التي باتت مرتبطة بوظائفهم معها، وباتوا مهددين بفقدان هذه المصادر إذا مارسوا فعل المقاومة، متابعاً "تعمدت السلطة الفلسطينية زيادة أعداد الموظفين لديها الذين يعتمدون على رواتب تحصل عليهم من مساعدات من أميركا وعبر الجمارك والضرائب التي تجمعها إسرائيل ومن خلال ذلك تمت محاصرة هذه الأعداد الكبيرة من الموظفين وإبعادهم عن الفعل المقاوم".

إلا أن بركات يرى أن المجتمع الفلسطيني يعبّر باستمرار عن احتضانه للمقاومة المسلحة مع كل عملية جديدة، إذ إن الفلسطينيين يعبرون باستمرار عن تأييدهم للمقاومة، سواء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو مقالات الرأي أو من خلال بعض الفعاليات الرمزية.

ويبيّن بركات أنه يلاحظ في المجتمع الفلسطيني وجود حالة جماهيرية شبابية مستمرة تتصدى لاقتحامات الاحتلال وملاحقاته المقاومين، والتي يتخللها دائماً ارتقاء الشهداء ووقوع عدد من الإصابات والاعتقالات، إذ يبذل الشارع الفلسطيني جهوداً عدة لمنع وصول الاحتلال للمقاومين، وهو ما حصل مؤخراً خلال عمليات مطاردة الشهيد أحمد نصر جرار.

إلا أن الجماهير الفلسطينية تجد نفسها في كل مرة في حالة مواجهة مع السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية كما يوضح بركات، إذ تتصدى السلطة الفلسطينية لأي محاولة جماهيرية تسعى لمواجهة الاحتلال في أراضي السلطة، فيما لا تتمكن من ذلك في المناطق التي تخضع لسيطرتها.

الواقع السياسي الجديد والمعقد الذي أثمرته الانتفاضتان الأولى والثانية خلق جواً سلبياً محبطاً للفلسطينيين الذين لم يعودوا يؤمنون بأي نتائج سياسية قد تترتب على أي انتفاضة مستقبلية، وخاصة أن الأولى أثمرت اتفاقية أوسلو، فيما أثمرت الثانية ظهور نخبة سياسية واقتصادية جديدة، يعلق عرابي، "الفلسطينيون يطرحون تساؤلا اليوم فحواه من أجل ماذا ومن يقاوم الفلسطيني، ما دامت النتائج تستثمر وتقطف باتجاهات خاطئة ومتعارضة مع أهداف المقاومين الفلسطينيين؟".

ويوضح بركات أن قوى الاستعمار عبر التاريخ تخلق دائماً شريحة أمنية تقوم بدور المستعمر بطريقة غير مباشرة من خلال تزييف وعي الناس بإعادة ترتيب مبادئها، مستخدمة سياسة "العصا والجزرة"، وهو ما باتت الأجهزة الأمنية تقوم به في الضفة المحتلة من خلال ملاحقة المقاومين واعتقالهم تحت ذريعة توفير الحماية لهم، مشيراً إلى وجود محاولات شعبية للتصدي للدور الذي تلعبه السلطة الفلسطينية في ملاحقة المقاومين، من خلال ردعها وعزلها جماهيرياً وسياسياً وإعلامياً من خلال خطوات بسيطة عملية وإجرائية.

تجريد الضفة المحتلة من الناحية الوطنية لم يقم إلا باستئصال واجتثاث مكثف ومزدوج للفصائل الفلسطينية الكبرى الفاعلة من قبل السلطة الفلسطينية وإسرائيل، فيبين عرابي أن حركة فتح أصبحت حزب سلطة بعدما كانت حركة تحرر وطني كما لم تعد العمود الفقري للثورة الفلسطينية كما كانت في مراحل تاريخية سابقة، فيما نجحت السلطة بالسيطرة على المنابر العامة في المجتمع الفلسطيني مثل النوادي، والمساجد، والمؤسسات الإعلامية، والمدارس، وعدم تمكينها من القيام بدورها في التعبئة الوطنية.

ويضيف عرابي أنه تم فرض الهيمنة أيضاً على الجامعات الفلسطينية والتي أصبحت إدارتها متماهية مع سياسات السلطة الفلسطينية، "كل هذه الأجواء أفقدت الشارع الفلسطيني التعبئة الوطنية والفاعلية الوطنية، فلضمان ديمومة واستمرار أي هبة وطنية فلسطينية وتطوير أدواتها النضالية بحاجة لعمل منظم، وهو ما لم يعد متاحاً الآن، فلا يوجد فصائل فلسطينية قادرة على قيادة الهبات".

ويشير عرابي إلى أن الانتفاضة الأولى على سبيل المثال، لم تكن لتستمر وتتطور أدواتها النضالية دون تأطيرها من قبل الأحزاب والفصائل الفلسطينية التي كانت جزءاً من الحالة الشعبية لتلك الانتفاضة.

ورغم المؤشرات المحبطة لخلق هبة شعبية فلسطينية جديدة في الضفة المحتلة ذات طابع مستمر ودائم ومجدٍ وفعّال، إلا أن ذلك لن يكون مستحيلاً، إذ يحاول المجتمع الفلسطيني تلمّس محاولاته الساعية للتمسك بالمقاومة والمحافظة عليها كوسيلة لمواجهة الاحتلال، وهو ما لمسناه بشكل واضح خلال السنوات الأربع الأخيرة، والتي بدأت بهبة الشهيد أبو خضير ثم تشكلت حلقات متتابعة من الهبات الشعبية تخللتها العديد من عمليات المقاومة القوية، إلا أن تلك الهبات لم تطور أدواتها بسبب الاعتبارات والسياسات المفروضة على المجتمع الفلسطيني من قبل الاحتلال والسلطة الفلسطينية، ما يتطلب تطوير الأدوات النضالية المستقبلية لضمان ديمومة أي هبة شعبية قريبة.